تسيلان من عيني أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم أنا أَبُو مُحَمَّد التميمي أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ السلمي قَالَ سمعت أبا بَكْر الرازي يَقُول قلت لأبي بَكْر الدقاق وكان بفرد عين مَا سبب ذهاب عينك قَالَ كنت أدخل البادية عَلَى التوكل فجعلت عَلَى نفسي أن لا آكل لأهل المنازل شيئا تورعا فسالت إحدى عيني عَلَى خدي من الجوع.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: إذا سمع مبتدىء حالة هَذَا الرَّجُل ظن أن هذه مجاهدات وَقَدْ جمعت هذه السفرة التي أفتخر فيها فنونا من المعاصي والمخالفات منها خروجه فِي تنصيف السنة عَلَى الوحدة ومشيه بلا زاد ولا راحلة ولباسه الجل ومسح عينيه به وظنه أن ذلك يقربه إِلَى اللَّه تعالى وإنما يتقرب إِلَى اللَّه تعالى بما أمره به وشرعه لا بما نهى وكف عنه فلو أن إنسانا قَالَ أريد أن أضرب نفسي بعصا لأنها عصت أتقرب بذلك إِلَى اللَّه كان عاصيا وسرور هَذَا الرَّجُل بهذا خطأ قبيح لأنه إنما يفرح بالبلاء إذا كان بغير تسبب مِنْهُ لنفسه فلو أن إنسانا كسر رجل نفسه ثم فرح بهذه المصيبة كان نهاية فِي الحماقة ثم تركه السؤال وقت الاضطرار وحمله عَلَى النفس فِي شدة المجاعه حتى سالت عينه ثم يسمي هَذَا تورعا حماقات زهاد أكبرها الجهل والبعد عَنِ العلم وقد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أبي القاسم نا حمد بْن أَحْمَدَ نا أَبُو نعيم الْحَافِظ ثنا سُلَيْمَان بْن أَحْمَدَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ العباس بْن أيوب الأصفهاني ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْن يوسف الرقي ثنا مطرف بْن مازن عَنْ سفيان الثوري قَالَ من جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه فانظر إِلَى كلام الفقهاء مَا أحسنه ووجهه أن اللَّه تعالى قد جعل للجائع مكنة التسبب فَإِذَا عدم الأسباب الظاهرة فله قدرة السؤال التي هي كسب مثله فِي تلك الحال فَإِذَا تركه فقد فرط فِي حق نفسه التي هي وديعة عنده فاستحق العقاب وقد روي لنا فِي ذهاب عين هَذَا الرَّجُل مَا هو أظرف مما ذكرنا فأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ الباقي بْن أَحْمَدَ ثنا حمد بْن أحمد الحداد ثنا أَبُو نعيم قَالَ سمعت أبا أحمد القلانسي يَقُول قَالَ أَبُو علي الروزباري يحكى عَنْ أبي بَكْر الدقاق قَالَ استضفت حيا من العرب فرأيت جارية حسناء فنظرت إليها فقلعت عيني التي نظرت بِهَا إليها وقلت مثلك من نظر لله.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت فانظروا إِلَى جهل هَذَا المسكين بالشريعة والبعد عنها لأنه إن كان نظر إليها عَنْ غير تعمد فلا إثم عَلَيْهِ وأن تعمد فقد أتى صغيرة قد كان يكفيه منها الندم فضم إليها كبيرة وهي قلع عينه ولم يتب عنها لأنه اعتقد قلعها قربة إِلَى اللَّه سبحانه ومن اعتقد