كل ذلك لم يزحزحهم عنها، وبهم انتشر الإسلام وعم نوره الآفاق، فكل الوسائل التي اتخذها كفار قريش ضدهم رجعوا بها خاسرين، فلم يغرهم مال، ولم يصدهم عن دينهم وعقيدتهم تهديد، ولم تشرئب أعناقهم إلى بريق المناصب والوظائف، ولا إلى غرض آخر من الأغراض، ولا إلى أي حظ من حظوظ النفس الرخيصة، بل همهم الوحيد نشر الدين وحماية العقيدة عن أعدائها الكثيرين، رحمهم الله ورضي عنهم ورزقنا القدوة بهم، لنكون مؤمنين حقا كما يجب علينا أن نكون.
إلى هنا أقف عن السير في خط هذه الفصول التي حررتها لتكون لنا ولإخواننا - وبالأخص - ولشبابنا ذلك الشباب الناهض الواعي لواجباته الدينية والوطنية مثالا صالحا للسير على نهجه القويم لا لذلك الشباب المذبذب الذي لم يعرف في سلوكه واجباته فراح يتحول من مبدأ إلى مبدأ، كالكورة بين أرجل اللاعبين بها أقدمها للشباب الصالح لحمل المسؤولية ولتكون له مثالا يصلح للسير على هداه، فتنبههم إلى مواقف ثابتة صلبة، وقفها سلفهم في وجه المشركين والظالمين والطغاة، فلم يلينوا فيها ولم يهنوا في مقاومة الشرك ولم يضعفوا فأعلنوها كلمة صريحة مدوية، إنهم أتباع الحق وأنصار التوحيد، وإن كانوا تألموا في أبشارهم من عذاب المشركين وهمجيتهم، فإنهم لم يتألموا في ضمائرهم ونفوسهم وقد قال لهم خالقهم: (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان