للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بلغني أنَّ دُورَ الجنَّةِ تُبْنَى بالذكْرِ، فإذا أُمسِكَ عن الذكْر أمسكُوا عن البناء، فيقال لهم، فيقولون: حتى تأتينا نفقة.

أرضُ الجنةِ اليومَ قِيعانٌ (١) والأعمَالُ الصَّالِحةُ لها عُمران، بها تُبْنَى القُصُورُ وتُغْرَسُ أرضُ الجِنانِ، فإذا تكامَلَ الغراسُ والبُنيانُ انتَقَل إليه السكَّانُ. رأى بعض الصالحين في منامه قائلًا يقولُ له: قد أُمِرْنا بالفراغِ من بناءِ داركَ، واسمُها دارُ السُّرورِ، فأبْشِرْ؛ وقد أُمِرْنا بتنجيدِها وتزيينها والفراغِ منها إلى سبعةِ أيام. فلمَّا كان بعدَ سبعة أيامٍ مات، فرؤي في المنام فقال: أُدْخِلْتُ دارَ السرور [وأنا في سرور] (٢)، فلا تسألْ عمَّا فيها. لم يُرَ مثلُ الكريم إذا حل به مطيع (٣). رأى بعضُهم كأنَّه أُدخِلَ الجنَّةَ وعُرِضَ عليه منازلُه وأزواجُه، فلمَّا أرادَ أنْ يخرُجَ تعلَّقَ به أزواجُهُ، وقالوا له: باللهِ حَسِّنْ عملَكَ، فكلَّما حسنْتَ عملَكَ ازْدَدْنا نحنُ حُسْنًا.

العاملون اليومَ يُسْلِفُونَ رؤوسَ أموالِ الأعمالِ فيما تشتهِي الأنفُسُ وتلَذُّ الأعينُ، إلى أجل يومِ المزيدِ في سُوقِ الجنةِ، فإذا حَل الأجلُ دخلُوا السُّوقَ فحمَلُوا منه ما شاؤوا بغير نقدِ ثَمَنٍ، على قدرِ ما سَلَفَ مِن تعجيلِ رأسِ مال السلفِ، لكن بغير مكيال ولا ميزان. فيا مَن عَزَمَ أنْ يُسْلِفَ اليومَ إلى ذلك المَوسِمِ، عَجِّلْ بتقبيضِ (٤) رأسِ المال، فإن تأخيرَ التقبيضِ يُفسِدُ العقدَ.

فللهِ وادِيها (٥) الذِي هُوَ مَوْعدُ الـ … مزيدِ لِوَفْدِ الحُبِّ لو كنْتَ منهُمُ

فما شِئتَ خذْ مِنْهُ بلا ثَمَنٍ لَهُ … فقدْ أسْلَفَ التُّجَّارُ فيه وأَسْلَمُوا (٦)

وفي الحديث: "إن الجنَّةَ تقولُ: يا رب! ائتني بأهلِي وبما وَعَدْتَني؛ فقد كَثُرَ حَريرِي وإسْتَبْرَقي وسُنْدُسِي ولؤلؤي ومَرجاني [وزبرجدي] (٧) وفِضتي وذهبي وأباريقي وخَمرِي وعَسَلي ولبَنِي، فاتِني بأهلي وبما وعدتنِي".


(١) قيعان: جمع قاع، وهو المكان المستوي الواسع في وَطاءٍ من الأرض، يعلوه ماء السماء، فيمسكه ويستوي نباته، ويجمع على قيعة وقيعان.
(٢) زيادة من آ، ع.
(٣) في ب، ط: "المطيع".
(٤) في آ، ش: "بقبض".
(٥) في ب، ش، ع، ط: "فلله ذاك السوق الذي … "، والمثبت من (آ).
(٦) أدرج البيتان في المطبوع على أنهما من الكلام المنثور.
(٧) زيادة من آ، ع.

<<  <   >  >>