للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وممن قال هذا من العلماء ابنُ عُيَينة، والإمامُ أحمدُ وغيرُهما. ولكن لو كان كذلك لكان هذا داخلًا في قوله "لا عَدْوَى". وقد يقال: هو من باب عَطفِ الخاصِّ على العام، وخصَّه بالذكر؛ لاشتهارِهِ عندهم بالعَدْوَى. وقالت طائفة: بلِ المرادُ "بصَفَر" شهرُ صفرَ، ثم اختلفوا في تفسيره، على قولين:

أحدُهما: أن المرادَ نفيُ ما كانَ أهلُ الجاهلية يفعلونه في النَّسيء (١)، فكانوا يُحِلُّونَ المُحرَّمَ ويُحَرِّمُونَ صَفَرَ مكانَه؛ وهذا قولُ مالكٍ.

والثاني: أن المرادَ أن أهلَ الجاهليةِ كانوا يَسْتَشْئِمُونَ بصفَرَ ويقولون: إنه شهر (٢) مشؤوم، فأبطَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك؛ وهذا حكاه أبو داود (٣) عن محمد بن راشد المكحولي، عمَّن سمعَه يقول ذلك. ولعل هذا القولَ أشبهُ الأقوالِ. وكثيرٌ من الجُهَّالِ يتشاءَم بصفَرَ، وربَّما ينهَى عن السَّفرِ فيه. والتشاؤمُ بصفَرَ هو من جنسِ الطيرةِ المَنهيِّ عنها، وكذلك التشاؤم بيوم من الأيام كيومِ الأربعاء.

وقد رُوي أنَّه يومُ نحسٍ مستمرٍ؛ في حديثٍ لا يَصِح، بل في "المسند" عن جابرٍ - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا على الأحزاب يوم الاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، فاستجيبَ له يومَ الأربعاء بين الظهرِ والعصرِ؛ قال جابر: فما نَزَلَ بي أمرٌ مهم غائظ إلا توخّيْتُ ذلك الوقتَ، فدعوتُ الله فيه، فرأيتُ الإجابةَ، أَو كما قال. وكذلك تشاؤم أهلِ الجاهلية بشوَّال في النِّكاح فيه خاصّةً. وقد قيلَ: إن أصلَه أن طاعونًا وقَعَ في شوال في سنةٍ من السنين، فمات فيه كثير من العرائسِ، فتشاءم بذلك أهلُ الجاهلية.

وقد وَرَدَ الشَّرْعُ بإبطالِهِ، قالت عائشةُ - رضي الله عنها: "تزوَّجَني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في


(١) النسيء في الجاهلية: تأخيرهم المحرّم إلى صفر في تحريمه، ويجعلون صفرًا هو الشهر الحرام، فأبطل. قال الله عز وجل: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}. انظر اللسان (نسأ، صفر).
(٢) لفظة "شهر" لم ترد في (آ). وفي ش: "شهر شؤم".
(٣) أخرجه أبو داود رقم (٣٩١٥) في الطب، باب في الطيرة. ومحمد بن راشد المكحول الخزاعي، الدمشقي، نزل البصرة، صدوق يهم، ورمي بالقدر، مات بعد ١٦٠ هـ. (التقريب ٢/ ١٦٠).

<<  <   >  >>