للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شَوَّال، وبَنَى بي في شَوَّال، فأيُّ نسائِهِ كانَ أحظَى عندَه منّي! وكانت عائشةُ تَسْتَحِبُّ أنْ تُدْخِلَ نِسَاءَها في شَوَّال" (١). وتزوَّجَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أمَّ سَلَمَةَ في شَوَّالٍ أيضًا (٢).

فأمَّا قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا عَدْوَى ولا طِيَرَة، والشؤمُ في ثلاثٍ؛ في المرأة، والدَّارِ، والدَّابَّةِ"، خَرَّجاه في "الصحيحين" (٣) مِن حديثِ ابن عُمَرَ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد اختلفَ الناسُ في معناه أيضًا؛ فروي عن عائشة - رضي الله عنها - أنَّها أنكرَتْ هذا الحديثَ، أنْ يكونَ من كلامِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقالت: إنَّما قال: كانَ أهلُ الجاهلية يقولون ذلك (٤)، خرَّجه الإمام أحمد (٥). وقال مَعْمَر: سمِعْتُ مَن يفسِّر هذا الحديثَ، يقول: شؤمُ المرأةِ إذا كانت غيرَ وَلُودٍ، وشؤمُ الفَرَسِ إذا لم يكن يُغزَى عليه (٦) في سبيل اللّه، وشؤمُ الدَّارِ جارُ السّوء. رُوي (٧) هذا المعنى مرفوعًا من وجوهٍ لا تَصِحُّ.

ومنهم من قال: قد رُوِي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "لا شؤمَ، وإن يَكنِ اليُمْنُ في


(١) أخرجه مسلم رقم (١٤٢٣) في النكاح، باب استحباب التزوج في شوال واستحباب الدخول فيه؛ والترمذي رقم (١٠٩٣) في النكاح، باب في الأوقات التي يستحب فيها النكاح؛ والنسائي ٦/ ١٣٠ في النكاح، باب البناء في شوال؛ وابن ماجه رقم (١٩٩٠) في النكاح، باب متى يستحب البناء بالنساء.
(٢) أخرجه ابن ماجه رقم (١٩٩١) في النكاح، باب ما يستحب البناء بالنساء.
(٣) أخرجه البخاري ١٠/ ٢١٢ و ٢٤٣ في الطب: باب الطيرة، وباب لا عدوى، وفي غيرهما. ومسلم رقم (٢٢٢٥) في السلام، باب الطيرة.
(٤) ذكر الحافظ في "الفتح" عن عائشة أنها أنكرت هذا الحديث، فروى أبو داود الطيالسي في مسنده، عن محمد بن راشد، عن مكحول، قال: قيل لعائشة: إن أبا هريرة قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشؤم في ثلاثة"، فقالت: لم يحفظ؛ إنه دخل وهو يقول: "قاتل الله اليهود، يقولون: الشؤم في ثلاثة"، فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله. قلت: ومكحول لم يسمع من عائشة فهو منقطع، لكن روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان: أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة، فقالا: إن أبا هريرة قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الطيرة في الفرس والمرأة والدار" فغضبت غضبًا شديدًا، وقالت: ما قاله، وإنما قال: "إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك" انتهى. ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة من ذكرنا من الصحابة له في ذلك، وقد تأوله غيرها على أن ذلك سيق لبيان اعتقاد الناس في ذلك، لا أنه إخبار من النبي - صلى الله عليه وسلم - بثبوت ذلك، وسياق الأحاديث الصحيحة المتقدم ذكرها يبعد هذا التأويل. قال ابن العربي: هذا جواب ساقط؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يبعث ليخبر الناس عن معتقداتهم الماضية والحاصلة، وإنما بعث ليعلمهم ما يلزمهم أن يعتقدوه. انتهى. انظر "الفتح الباري" ٦/ ٦١ - ٦٣ (باب ما يذكر من شؤم الفرس).
(٥) المسند ٢/ ٨، ٣٦، ١١٥، ١٢٦.
(٦) في آ، ب "عليها".
(٧) في ب، ع، ش: "وروي".

<<  <   >  >>