للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قبلَ أن يُخلَقَ (١)؟ قال: إي واللهِ، وقبلَ أن تُخلَقَ الدُّنيا بألفي عامٍ.

خرَّجه أبو بكر الآجُرِي (٢) في "كتاب الشريعة"، وعطاء، الظَّاهِرُ أنَّه الخُرَاسَانيُّ. وهذا إشارة إلى ما ذكرناه من كتابةِ نبوَّتِه - صلى الله عليه وسلم - في "أمِّ الكتاب" عند تقديرِ المقاديرِ. وقولُه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: "إني عند (٣) اللهِ في أمِّ الكتاب لخَاتمُ النبيِّينَ، وَإنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِه"، ليس المرادُ بهِ - واللهُ أعلمُ - أنَّه حينئذٍ كُتِبَ في "أمِّ الكتاب" خَتْمُهُ للنبيينَ، وإنَّما المرادُ الإخبارُ عن كون ذلك مكتوبًا في "أمِّ الكتابِ" في تلك الحالِ قبل نَفْخِ الرُّوحِ في آدمَ، وهو أوَّلُ ما خُلِقَ من النَّوعِ الإنسانيّ.

وجاء في حديث آخر (٤)، أنه في تلك الحال وجبَتْ له النبوَّةُ، وهذه مرتبةٌ ثالثةٌ، وهي انتقالُه من مرتبةِ العِلْمِ والكتابةِ إلى مرتبةِ الوجودِ العَينيِّ (٥) الخارجيِّ، فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - استُخرِجَ حينئذ من ظهرِ آدمَ ونُبِّئَ، فصارت نُبوَّتُه موجودةً في الخارج بعد كونها كانت مكتوبةً مقدَّرةً في أمِّ الكتاب. ففي حديث مَيْسَرَةَ الفجر (٦)، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، متى كُنتَ نبيًّا؟ قال: "وَآدَمُ بين الرُّوحِ والجسدِ". خرَّجَه الإِمامُ أحمد، والحاكم (٧).

قال الإمام أحمد في رواية مُهَنَّا (٨): وبعضهم يرويه: "متى كتبت (٩) نبيًّا؟ "، من الكِتابةِ. فإنْ صحَّتْ هذه الرِّوايةُ، حُمِلَتْ مع حديثِ العِرْباض بن سارِيَةَ على وُجوب نبوَّتهِ وثُبوتها وظهورها (١٠) في الخارج؛ فإنَّ الكتابَةَ إنَّما تُستعمَلُ فيما هو واجبٌ؛ إمَّا


(١) في ب: "قبل أن يُخلق الخلق".
(٢) هو محمد بن الحسين بن عبد الله، أبو بكر الآجري، فقيه شافعي محدّث، نشأ في بغداد وانتقل إلى مكة، وتوفي فيها سنة ٣٦٠ هـ. له تصانيف كثيرة، منها "كتاب الشريعة" في السنّة، وهو مطبوع. (وفيات الأعيان ٤/ ٢٩٢، سير أعلام النبلاء ١٦/ ١٣٤).
(٣) في ط: "عبد" وهو تصحيف.
(٤) في ب، ش، ط: "أحاديث أخر".
(٥) لفظة "العيني" سقطت من (آ).
(٦) قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" ٩/ ٣٠٣ - ٣٠٤: ميسرة الفجر صحابي ذكره البخاري، والبغوي، وابن السكن، وغيرهم في الصحابة … وقد قيل: إنه عبد الله بن أبي الجدعاء.
(٧) رواه أحمد في "المسند" ٥/ ٥٩، وابن أبي عاصم في السنة رقم (٤١٠)، والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٦٠٨، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أبي نعيم في "أخبار أصبهان" ٢/ ٢٢٦ وهو حديث صحيح. وساقه الحافظ ابن حجر في "الإصابة" ٩/ ٣٠٣ - ٣٠٤، و [قال]: هذا إسناد قوي، لكن اختلف فيه على بُديل بن ميسرة. وانظر تتمة كلامه فيه، فهو مفيد إن شاء الله تعالى.
(٨) هو مُهَنَّا بن يحيى الشامي، صاحب الإمام أحمد بن حنبل، انظر ترجمته في "المنهج الأحمد" ١/ ٢٣١ - ٣٣٣.
(٩) في آ، ب: "كنت".
(١٠) لفظة: "وظهورها" لم ترد في (آ).

<<  <   >  >>