للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لمَّا وَقَفَ - صلى الله عليه وسلم - عامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، قال: "إنِّي فَرَطُكُم" (١) على الحَوْض، وإنِّي مكاثِر بِكُم الأمَمَ، فلا تُسَوِّدُوا وَجْهِي" (٢). يشيرُ إلى أنَّه - صلى الله عليه وسلم - يَسْتحِي مِن سيئاتِ أُمَّتِه إذا عُرِضَتْ عليه. وقال: "لَيُؤْخَذَنَّ برجَالٍ مِن أُمَّتِي ذاتَ الشمالِ، فأقولُ: ياربّ! أصحابي، فيقالُ: إنَّك لا تَدْرِي ما أَحْدَثُوا بَعْدَك، فَأَقُولُ: سُحقًا سُحْقًا (٣) لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي" (٤).

خيرُ هذهِ الأُمَّةِ أوَّلُها قَرْنًا، كما قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "خيرُ القُرون قَرْنِي، ثم الذين يَلُونَهُم، ثم الذين يلُونهم" (٥). وقال: "بُعِثْتُ مِن خَيْرِ قُرونِ بَني آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا، حَتَّى كُنْتُ مِن القَرْنِ الَّذي كُنْتُ منه" (٦).

كم قدْ جاءَ مدْحُ أصحابه في كتابه [تعالى]: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (٧). {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (٨). وخصَّ الصِّدِّيقَ مِن بينهم بالصُّحْبَةِ بقوله: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (٩).

لمَّا جَلَى الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - عَرُوسَ الإِسلامِ وأبرزَها للبصائر مِن خِدْرِها، أخرَجَ


(١) أنا فَرَطُكُم على الحوض: أي أنا متقدِّمكم إليه. (اللسان).
(٢) رواه بهذا اللفظ ابن ماجه رقم (٣٠٥٧) في سياق حديث طويل في المناسك، باب: الخطيئة يوم النحر، وإسناده حسن، وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - بلفظ: "أنا فرط لكم على الحوض، وإني مكاثر بكم الأمم"؛ انظر "مجمع الزوائد" (١٠/ ٣٦٥).
(٣) سُحْقًا سُحْقًا: أي بُعْدا بُعْدًا. ومكان سحيق: بعيد. ونصب "سحقًا" على المصدر، التقدير: أسحقهم الله سُحْقًا، أي باعَدَهم من رحمته مباعدة (اللسان).
(٤) رواه البخاري رقم (٦٥٨٤) في الرقاق، باب: في الحوض، وقول الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: ١]، و (٧٠٥٠) في الفتن، باب: ما جاء في قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: ٢٥]، وأحمد في "المسند" ٥/ ٣٣٣ و ٣٣٩ من حديث سهل بن سعد، رضي الله عنه.
(٥) رواه البخاري رقم (٢٦٥١) في الشهادات، باب: لا يشهد على شهادة جور إذا أُشهد؛ ومسلم رقم (٢٥٣٥) في فضائل الصحابة، باب: فضل الصحابة ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، والترمذي رقم (٢٣٠٢) في الشهادات، باب: رقم (٤)؛ والنسائي ٧/ ١٧ - ١٨ في الأَيمان والنذور، باب: الوفاء بالنذر، من حديث عِمْران بن حصين، رضي الله عنه.
(٦) رواه البخاري رقم (٣٥٥٧) في المناقب، باب: صفة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
(٧) سورة الفتح، الآية ٢٩.
(٨) سورة الفتح، الآية ١٨.
(٩) سورة التوبة، الآية ٤٠.

<<  <   >  >>