للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبو بكرٍ - رضي الله عنه - مالَهُ كلَّه نِثارًا لِهذا العَرُوسِ (١)، فأخْرَجَ عُمَرُ النصفَ موافقةً له، فقامَ عثمانُ بوليمةِ العُرْسِ (٢)، فجهز جَيْشَ العُسْرَةِ (٣)، فعلِمَ عليُّ - رضي الله عنه - أن الدُّنيا ضَرَّةُ هذه (٤) العَرُوسِ، وأنَّهما لا يجتمعان، فَبَتَّ طَلاقَها ثلاثًا. فالحمدُ للهِ الذي خَصَّنا بهذِه الرَّحمَةِ، وأَسْبَغَ علينا هذهِ (٥) النِّعْمَةَ، وأعطانا ببركَةِ نبيِّنا هذه الفضائلَ الجمَّةَ، فقال لنا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (٦).

مِن أينَ في الأُمَمِ مثلُ أبي بكرٍ الصِّدِّيق، أو عُمَرَ الذي ما سَلَكَ طريقًا إلَّا هَرَبَ الشَّيطانُ مِن ذلك الطريق، أو عثمانَ الصابر على مُرِّ الضيق (٧)، أو عليٍّ بحرِ العلمِ العمِيق، أو حمزةَ والعبَّاس؟ أفيهم (٨) مثلُ طلحةَ والزُّبَيْر القَرِينين (٩)، أو مثلُ سعدٍ وسعيدٍ (١٠)، هيهاتَ!! من أينَ (١١)؟ أو مثلُ ابن عَوْفٍ وأبي عُبيدَة، ومَن مثلُ الاثنين، إِن شَبَّهْتُم (١٢) بهم فقد أبعدتُم القِياسَ.

من أين في زُهَّادِ الأُممِ مثلُ أُوَيْسٍ (١٣)، أو في عُبَّادهم مثلُ عامر (١٤) بن عبد قيس، أو في خائفِهم مثلُ عُمَرَ بن عَبْدِ العزيز؟! هيهات!! ليسَ ضوءُ الشَّمسِ كالمِقياس. أفي علمائهم مثلُ أبي حَنِيْفَةَ ومالك، والشَّافعي السديد (١٥) المسالك، كيف تمدَحُه وهو أجلُّ مِن ذلك؟ ما أحسَن بنيانَهُ والأساسَ!! أفيهم (١٦) أعلى من


(١) في آ، ش: "العرس".
(٢) العُرْسُ: طعام الوليمة، وهو الذي يعمل عند العُرْسِ، يُسَمَّى عُرْسًا باسم سببه. والعروس: يستوي فيه المذكر والمؤنث.
(٣) جيش العُسْرة: هو جيش غزوة تبوك، سمي بها لأنه نَدَبَ الناس إلى الغزو في شدَّةِ القيظ، وكان وقت إيناع الثمرة وطيب الظلال، فعسُر ذلك عليهم وشقَّ. (اللسان).
(٤) في آ: "هذا".
(٥) في آ: "وأسبغ علينا من هذه النعمة".
(٦) سورة آل عمران، الآية ١١٠.
(٧) أراد محنته وقت أن قام نفر من النَّاس بمطالبته باعتزال الخلافة، وما نتج عن ذلك مفصل في كتب التاريخ والسير.
(٨) في آ، ش: "أيهم".
(٩) في ط: "القرنين" وهو تحريف، والقرين: صاحبك الذي يقارنك.
(١٠) أراد سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وهما من العشرة المبشرين بالجنة، رضي الله عنهم.
(١١) قوله: "من أين" لم يرد في (ب، ط).
(١٢) في آ: "شبهتهم".
(١٣) هو أُوَيْسُ بن عامر بن جزء بن مالك القَرَني المُرادي اليمانيّ، أبو عمرو، سيد التابعين في زمانه، وأحد النساك العبَّاد المقدمين، أدرك حياة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يره، فوفد على عمر بن الخطَّاب، ثم سكن الكوفة، وشهد وقعة صفين مع علي بن أبي طالب. ويرجح الكثيرون أنه قتل فيها. (طبقات ابن سعد ١/ ١٦٦، سير أعلام النبلاء ٤/ ١٩ - ٣٣، وتهذيب ابن عسكر ٣/ ١٥٧ ومختصره ٥/ ٧٩).
(١٤) لفظة: "عامر" سقطت من (آ).
(١٥) في آ، ب، ش: "الشديد"، وأثبت ما جاء في ع، ط.
(١٦) في ب، ط: "أثمَّ"، وفي ش: "أيهم".

<<  <   >  >>