للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الخطابَ، وهذا يَدُلُّ على اشتهارِ ذلك بينَهم ومعرفتِهِم به، وأنَّه مِمَّا لا يَخْفى علمُه على (١) العرب، خصوصًا قريش (٢) وأهل مكَّةَ. وهذا أمرٌ اشتهر بينَهُم وتعارَفُوه، وقالوا فيه الأشعارَ السَّائرة.

وقد قالت عائشةُ رضي الله عنها: رأيْتُ قائدَ الفِيلِ وسائسَهُ بمكَّةَ أعْمَيَيْنِ يستطعِمانِ. وفي هذه القصَّةِ ما (٣) يدُلُّ على تعظيمِ مكَّةَ، واحترامِها واحترامِ بيتِ اللهِ الذي فيها. وولادَةُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عقيبَ (٤) ذلك تدُلُّ على نبوَّتِه ورسالته؛ فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - بُعِثَ بتعظيمِ هذا البيتِ وحجِّه والصَّلاةِ إليه، وكانَ هذا البَلدُ هو موطِنه ومولده، فاضطرَّه قومُهُ عندَ دعوتِهِم إلى الله تعالى إلى الخُروجِ منه كُرهًا بما نَالوه منه (٥) مِنَ الأذَى، ثم إنَّ الله تعالى ظَفَّرَهُ بهم، وأدخَلَهُ عليهم قهرًا، فملَكَ البلَدَ عَنْوةً، وملَك رِقابَ أهلِهِ، ثمَّ مَنَّ عليهم وأطلقَهم وعَفا عنهم، فكانَ في تسليطِ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - على هذا البلدِ وتمليكِهِ إيَّاه ولأمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ ما دَلَّ على صِحَّةِ نبوَّتِهِ، فإنَّ الله حَبَسَ عنه مَن يُريدُه بالأَذَى وأهلَكَهُ، ثم سَلَّطَ عليه رَسُولَهُ وأمَّتَهُ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الله حَبَسَ عن مَكَّةَ الفِيلَ وسَلَّطَ عليها رَسُولَهُ والمؤمنين" (٦).

فإنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - وأُمَّتَه إنَّما [كان] (٧) قصدُهم تعظيمَ البيتِ وتكريمَهُ واحترامَهُ، ولهذا أنكَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ الفَتْحِ على مَنْ قال (٨): اليومَ تُستحلُّ الكَعْبَةُ، وقال: "اليوم تُعظَّمُ الكَعْبةُ (٩) " (١٠). وقد كان أهلُ الجاهلية غيَّروا دِين إبراهيمَ وإسماعيل بما ابتَدَعوه


(١) في ب، ع، ط: "عن".
(٢) في ط: "قريشًا".
(٣) في آ: "مما".
(٤) في ب، ع، ط: "عقب".
(٥) في ب، ش، ط: "به".
(٦) قطعة من حديث طويل رواه البخاري رقم (١١٢) في العلم، باب: كتابة العلم، و (٢٤٣٤) في اللقطة: باب: كيف تُعَرَّف لقطةُ أهل مكة؟، و (٦٨٨٠) في الديات، باب: من قتل له قتيلٌ فهو بخير النَّظَرَين، ومسلم رقم (١٣٥٥) في الحج، باب: تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام؛ وأبو داود رقم (٢٠١٧) في المناسك، باب: تحريم حرم مكة، من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
(٧) زيادة من (ط).
(٨) القائل سعد بن عبادة، رضي الله عنه. ولتمام الفائدة انظر: "فتح الباري" للحافظ ابن حجر ٨/ ٨ - ٩.
(٩) الذي في "صحيح البخاري": "هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة". قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" ٨/ ٩: قوله - صلى الله عليه وسلم -: " [هذا] يوم يعظم الله فيه الكعبة"، يشير إلى ما وقع من إظهار الإسلام وأذان بلال على ظهرها وغير ذلك مما أزيل عنها مما كان فيها من الأصنام، ومحو ما فيها من الصور، وغير ذلك.
(١٠) رواه البخاري رقم (٤٢٨٠) في المغازي، باب: أين ركز النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الرَّاية يوم الفتح؟.

<<  <   >  >>