للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كيفَ يطمَعُ في البقاءِ وما مِن نبيٍّ (١) من الأنبياءِ إلَّا ماتَ! أمْ كيفَ يؤمَنُ هُجومُ المنايا ولَم يسلَمِ الأصْفِياءُ والأحباءُ (٢)! هيهاتَ هيهاتَ!!.

قَدْ ماتَ كُلُّ نَبِيٍّ … وَماتَ كُلُّ نَبِيه (٣)

وَماتَ كُلُّ شَرِيفٍ … وَعاقِلٍ وَسَفِيهِ

لا يُوحِشَنْكَ طَرِيقٌ … كُلُّ الخلاِئقِ فِيهِ

أوَّلُ ما أُعلِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِن انقضاءِ عُمُرِه باقتِراب أجلِهِ بنزولِ سورةِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} (٤). [وقيل لابن عباس رضيَ الله عنهما: هل كانَ يعلمُ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - متى يموتُ؟ قال: نعم. قيل: ومِن أينَ؟ قال: إنَّ الله تعالى جَعَلَ علامَةَ مَوْتهِ في هذه السورة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} يعني فتحَ مكَّةَ {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} ذلك عَلامَةُ موتِهِ، وقد كان نَعَى نفسَهُ إلى فاطِمةَ، عليها السلام] (٥). فإنَّ المرادَ مِن هذِه السُّورةِ أنَّكَ يا محمَّدُ، إذا فَتَحَ الله عليكَ البِلادَ، ودَخَلَ النَّاسُ في دِينِكَ الذي دعوتَهم إليه أفواجًا فقد اقتَرَب أجلُكَ، فتهيَّأْ للقائِنا بالتَّحميدِ والاستِغفارِ، فإنَّه قد حَصَلَ مِنكَ مَقصُودُ ما أُمِرْتَ بِهِ مِن أداءِ الرِّسالةِ والتَّبليغ، وما عندنا خيرٌ لكَ مِن الدُّنيا، فاستَعِدَّ للنُّقلَةِ إلينا. قال ابنُ عبَّاسٍ: لمَّا نزلَتْ هذه السورةُ نُعِيَتْ لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نفسُهُ، فأخَذَ في أشدّ ما كان اجتهادًا في أَمْرِ الآخِرةِ.

ورُوِي في حديثٍ أنَّه تعبَّدَ حتَّى صارَ كالشَّنِّ (٦) البالي، وكان يَعْرِضُ القرآنَ كلَّ عامٍ على جِبريلَ مَرَّةً، فعرَضَهُ ذلك العامَ مَرَّتينِ، وكان يعتكِفُ العشرَ الأواخِرَ مِن رَمَضانَ كلَّ عام، فاعتَكَفَ في ذلك العام (٧) عشرين، وأكثَرَ مِنَ الذِّكْرِ والاستِغفارِ.

قالت أمُّ سَلمَةَ: كان رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في آخِرِ أمرِهِ لا يَقُومُ ولا يقعُدُ ولا يذهَبُ ولا يَجِيءُ إلَّا قال: "سبحانَ اللهِ وبحمدِهِ". فذكرْتُ ذلك له، فقال: "إنِّي أُمِرْتُ بذلك" وتلا هذه السُّورةَ. وقالت عائشةُ رضي الله عنها: كانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يقولَ قبلَ


(١) قوله "من نبي" زيادة في نسخة (آ).
(٢) في آ: "والأخيار".
(٣) في ب، ط: "بنيه" وهو تحريف.
(٤) سورة النصر، الآية ١.
(٥) ما بين قوسين زيادة من (ط)، ولم ترد في النسخ المعتمدة.
(٦) الشَّنُّ: القِرْبَةُ الخَلَقُ.
(٧) لفظة: "العام" سقطت من (آ).

<<  <   >  >>