للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كُلُّنا في غَفْلَةٍ والمَوْتُ … يَغْدُو وَيرُوحُ

لِبَني الدُّنيا مِنَ المَوْتِ … غَبُوقٌ وصَبُوحُ (١)

سَيَصِيرُ المرءُ يَوْمًا … جَسَدًا ما فِيهِ رُوحُ

بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ حَيٍّ … عَلَمُ المَوْتِ يَلُوحُ

نُحْ عَلَى نَفْسِكَ يا … مِسْكِينُ إنْ كُنْتَ تَنُوحُ

لَتَمُوتَنَّ وَلَو … عُمِّرْتَ ما عُمِّرَ نُوحُ

لمَّا كانَ الموتُ مَكْرُوهًا بالطَّبعِ، لِما فيه مِنَ الشِّدَّةِ والمشقَّةِ العظيمةِ، لم يَمُتْ نَبِيٌّ مِنَ الأنبياءِ حتَّى يُخيَّرَ، ولذلك وَقَعَ التردُّدُ فيه (٢) في حَقِّ المؤمن، كما في حديثِ أبي هُريرةَ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله عَزَّ وجَلَّ: ومَا تَردَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُه، ترددِي في قَبْضِ نَفْسِ عَبدِي المؤمنِ، يكرَهُ المَوْتَ وأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ" (٣)، ولابُدَّ لَهُ منه [كما رواه البخاري] (٤).

قال ابنُ أبي مُلَيْكَةَ: لمَّا قُبضَ إبراهيمُ - عليه السَّلام - قال الله عَزَّ وجَلَّ: كَيفَ وَجَدْتَ المَوْتَ؟ قال: يا رب، كأن نفسِي تُنْزَعُ بالسَّلى (٥)، فقال: هذا وقَدْ هَوَّنَّا عليكَ المَوْتَ! وقال أبو إسحاق: قيلَ لموسى عليه السَّلام: كيفَ وجدْتَ طَعْمَ المَوْتِ؟ قال: وجَدْتُه كسُفُودٍ (٦) أُدْخِلَ في صُوفٍ فاجتُذِبَ. قال: هذا وقد هوَّنَّا عليكَ المَوْتَ.

ويُروى أنَّ عيسى - عليه السلام - كان إذا ذكرَ الموت يقطُرُ جِلدُه دمًا، وكان يقولُ للحواريِّين: ادعُوا الله أنْ يخفِّفَ عَنِّي الموتَ، فلقَدْ خِفْتُ المَوْتَ خوفًا أوقعني (٧) مخافَة الموتِ على المَوْتِ.


(١) الغَبُوق: شُرْبُ العشيِّ. والصَّبوح: ما شرب غدوة، أي صباحًا.
(٢) في (آ): "منه".
(٣) رواه البخاري رقم (٦٥٠٢) في الرقاق، باب: التواضع، من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، ورواه الإِمام أحمد في "المسند" ٦/ ٢٥٦ من حديث عائشة، رضي الله عنها.
(٤) قوله: "كما رواه البخاري" لم يرد في آ، ش، ع. وقوله: "ولا بد له منه" لم يرد عند البخاري والإِمام أحمد.
(٥) السَّلَى: الجلدُ الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن أمِّه ملفوفًا فيه. وقيل: هو في الماشية السَّلَى، وفى الناس المشيمة.
(٦) السّفُّود: حديدة ذاتُ شُعب معقّفة، يُشوى به اللحم.
(٧) في المطبوع: "أوقفني".

<<  <   >  >>