للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كيفَ تركْتُم عِبادِي؟ فيقولون: أتيناهُم وهم يُصَلُّون، وتركْنَاهُم وهُم يُصَلُّون.

وفي صحيح مسلم (١) عن أبي موسى الأشعرِيِّ، قال: "قام فينا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بخمسِ كلماتٍ، فقال: إن الله لا ينامُ، ولا ينبغي له أن ينامَ، يَخْفِضُ القِسْطَ وَيرفعُه (٢)، يُرفَعُ إليه عَمَلُ اللَّيلِ قبلَ النَّهارِ، وعملُ النهارِ قبلَ اللَّيلِ، حجابُه النورُ، لو كَشَفَه لأحْرَقَتْ سُبُحَاتُ (٣) وجهِهِ ما انتهَى إليه بَصَرُه من خَلْقِهِ". ويُروَى عن ابن مسعود، قال: إن مقدارَ كُل يوم مِن أيامكم عندَ ربِّكم ثنتا عشرةَ ساعةً، فتُعرضُ عليه أعمالُكُم بالأمسِ أوَّلَ النَّهارِ اليومَ، فيُنْظَرُ فيها ثلاثَ ساعاتٍ، وذَكَر باقيَهُ. كان الضحَّاكُ (٤) يَبْكِي آخرَ النهارِ، ويقول: لا أدري ما رُفعَ من عَملِي. يا مَنْ عَمَلُه معروض (٥) على مَنْ يَعْلَمُ السِّرَّ وأخْفَى، لا تُبهرِجْ فإنَّ النَّاقِدَ (٦) بَصيرٌ.

السُّقْمُ علَى الجِسْمِ لَهُ تَرْدَادُ … والعُمْرُ مَضَى وزلَّتي تَزْدَادُ (٧)

ما أبعَدَ شُقَّتِي وما لي زَادُ … ما أكثَرَ بَهْرَجي ولي نَقَّادُ (٨)

وحديثُ أسامةَ (٩) فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سرَدَ الفِطرَ يصومُ الاثنين والخميسَ، فدَل على مواظبةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - على صيامِهما، وقد كانَ أسامةُ يَصُومُهما حَضَرًا وسَفَرًا لهذا. وفي مسند الإمام أحمدَ وسنن النّسائى عن عبد الله بن عمرو (١٠) أن


(١) رقم (١٧٩) في الإيمان: باب في قوله عليه السلام: إنَّ الله لا ينام.
(٢) أي يخفض الله الميزان ويرفعه بما يوزن من أعمال العباد المرتفعة، ويوزن من أرزاقهم النازلة.
(٣) سبحات وجه الله: أنواره وجلاله وعظمته. (اللسان: سبح).
(٤) هو الضحّاك بن مُزاحم الهلالي، أبو القاسم، أو أبو محمد، الخراساني. توفي سنة ١٠٢ وقيل: سنة ١٠٥ هـ. والخبر في "صفة الصفوة" ٤/ ١٥٠.
(٥) في آ: "ليس يخفى".
(٦) في آ، ش، ع: "فالناقد بصير".
(٧) في ب، ش، ط: "والعمر ينقص والذنوب تزاد".
(٨) البَهْرَج من الدراهم: الرديء، وكنَّى به عن أخطائه وزلاته. والفقال: الذي يميز الرديء من الحسن، وأراد بالنقاد الله عز وجل، وقبل ذلك قال: "لا تبهرج فمن الناقد بصير".
(٩) أخرجه النَّسَائِي ٤/ ٢٠١، ٢٠٢ في الصوم، باب صوم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإسناده حسن. قال أسامة: قلت: يا رسول الله، إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر، وتفطر حتى لا تكاد تصوم، إلا يومين أن دخلا في صيامك، وإلا صمتهما؟ قال: أيَّ يومين؟ قلت: الاثنين والخميس، قال: ذلك يومان تعرض فيهما الأعمال على ربِّ العالمين، فأحبُّ أن يعرض عملي وأنا صائم.
(١٠) في آ، ع: "عبد الله بن عمر"، وهو حديث آخر رواه النَّسَائِي ٤/ ٢٢٠ في الصوم، باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وهو حديث حسن. وعنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر: يوم الاثنين من أول الشهر، والخميس الذي يليه، ثم الخميس الذي يليه". وأما حديث عبد اللّه بن عمرو الوارد هنا فقد مضى تخريجه.

<<  <   >  >>