للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتَّى يستكمِلَ نوافِلَهُ بالصَّوْمِ قبلَ دُخُولِ رمضانَ، فكانَتْ عائشةُ حينئذٍ تغتنِمُ قَضاءَهُ لنوافلِهِ فتَقضي ما عليها من فرضِ رمضانَ حينئذٍ لِفطْرِها فيه بالحَيْض، وكانَتْ في غيرِه مِنَ الشُّهورِ مُشتغلةً بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فإن المرأةَ لا تَصومُ وبَعْلُها شاهِدٌ الَّا بإذْنِهِ. فَمَنْ دَخَلَ عليه شعبانُ وقد بقيَ عليه منِ نوافِلِ صيامِهِ في العام استُحِبَّ له قضاؤها فيه حتَّى يُكمِّلَ نوافلَ صيامِهِ بينَ الرَّمضَانين. ومَن كان عليه شيءٌ" (١) مِن قَضاءِ رَمضانَ وجَبَ عليه قضاؤه [بعدَ رمضانَ] (٢) مع القُدْرَةِ، ولا يَجُوزُ لَهُ تأخيرُه إلى ما بعدَ رَمضان آخرَ لِغَيْرِ ضَرُورةٍ، فإنْ فَعَلَ ذلك وكان تأخيرُه لِعُذرٍ مُستمرٌ بينَ الرَّمضانَينِ، كان عليه قضاؤه بعدَ رمضانَ الثاني، ولا شيءَ عليه مع القضاءِ. وانْ كانَ ذلك لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ فقيلَ: يَقضِي ويُطعِمُ مَعَ القَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مسكينًا، وهو قولُ مالكٍ والشَّافِعيِّ وأحمدَ إتباعًا لآثارٍ وَرَدَتْ بذلك. وقيلَ: يقضِي ولا إطعامَ عليه، وهو قولُ أبي حنيفةَ. وقيل: يُطعِمُ ولا يَقْضِي، وهو ضَعيفٌ. وقد قيلَ في صومِ شعبانَ معنىً آخَرُ، وهو أن صِيامَه كالتَّمرِينِ على صِيام رَمضانَ؛ لئلَّا يدخُلَ في صَوْمِ رَمضانَ على مَشَقَّةٍ وكُلْفَةٍ، بلْ يكونُ قد تمرَّنَ على الصِّيامِ واعْتَادَهُ، ووجَدَ بصيام شعبانَ قبلَهُ حَلاوةَ الصِّيام ولذَّتَهُ، فيدخُلُ في صيامِ رَمضانَ بقوَّةٍ ونَشَاطٍ.

ولمَّا كانَ شعبانُ كالمقدِّمَةِ لرمضانَ شُرِعَ فيه ما يُشرَعُ في رمضانَ من الصِّيام وقراءةِ القرآنِ؛ ليحصُلَ التَّأهُّبُ لتلَقِّي رمضان، وترتاضَ النُّفوسُ بذلك على طاعةِ الرَّحمنِ. وروينا بإسنادٍ ضعيفٍ عن أنسٍ، قال: كان المسلمون إذا دَخَلَ شَعْبَانُ أكبُّوا (٣) على المصاحِفِ فقرؤوها (٤)، وأخرَجُوا زكاةَ أموالِهم تقوِيةً للضَّعيفِ والمسكينِ على صيامِ رمضانَ.

وقالَ سَلمةُ بنُ كُهَيلٍ (٥): كان يقالُ: شهرُ شعبانَ شهرُ القُرَّاءِ (٦). وكان حبيبُ بن


(١) لفظ "شي" لم يرد في آ، ع.
(٢) زيادة من نسخة (ب).
(٣) في ب، ط: "انكبُّوا".
(٤) في آ، ع: "يقرؤونها".
(٥) هو سَلَمة بن كهَيْل بن حصين الحَضْرمي، أبو يحيى الكوفي التَّنعي، وتِنْعة بطن من حضرموت، كوفيّ تابعي ثقة ثبت في الحديث، روى له الجماعة، مات نحو سنة ١٢٣ هـ. (سير أعلام النبلاء ٥/ ٢٩٥، تهذيب الكمال ١١/ ٣١٣).
(٦) في آ، ع: "القرآن".

<<  <   >  >>