للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورُوِي في ذلك معنىً آخرُ، وهو أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَصُومُ مِن كُلِّ شهرٍ ثلاثةَ أَيَّامٍ، وربَّما أخَّرَ ذلك حتَّى (١) يصومَ شعبانَ. رَوَاهُ ابنُ أبي ليلى، عن أخيهِ عيسى، عن أبيهما، عن عائشةَ - رضي الله عنها -. خرَّجَه الطبرانيُّ (٢). ورواه غيرُه، وزاد "قالت عائشة: فربَّما أرَدْتُ أنْ أَصُومَ فلم أُطِقْ، حتَّى إذا صامَ (٣) صُمْتُ معه".

وقد يُشكِلُ على هذا ما في صحيح مسلم (٤) عن عائشةَ، قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ ثلاثةَ أيَّامٍ مِن كُلِّ شهرٍ، لا يبالِي من أيِّهِ كان". وفيه (٥) أيضًا عنها، قالت: "ما علمته - تعنِي النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صامَ شهرًا كاملًا الَّا رمضانَ، ولا أَفْطَرَهُ كُلَّهُ حتَّى يَصُومَ منه، حتَّى مَضَى لِسبِيلِهِ". وقد يُجمَعُ بينَهما بأنه قد يكونُ صَوْمُه في بعضِ الشُّهورِ لا يبلُغ ثلاثةَ أيَّامٍ، فيُكمِلُ ما فاتَهُ من ذلك في شعبانَ، أو أنه كان يَصُومُ مِن كُلِّ شهرٍ ثلاثةَ أيَّامٍ مع الاثنين والخميس، فيؤخِّرُ الثلاثةَ خاصَّةً حتى يقضيَها في شعبانَ مع صَوْمِه الاثنينِ والخميسِ. وبِكُلِّ حال فكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عملُه دِيمَة (٦)، وكان إذا فاتَهُ شيءٌ مِن نوافلِهِ قضاهُ، كما كان يقضِي ما فاتَهُ مِن سُننِ الصَّلاةِ وما فاتَهُ مِن قيامِ اللَّيلِ بالنَّهارِ. وكان إذا دَخَلَ شعبانُ وعليه بقيَّةٌ مِن صيامِ تطوع لَمْ يَصُمْه، قَضَاهُ في شعبانَ


= محمد بن المغيرة بن الأخنس، ورواه ابن أبي حاتم بنحوه عن ابن عباس موقوفًا. كما رواه ابن كثير في تفسيره ٧/ ٢٤٥، قال: والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري: أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس، قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان … " فهو حديث مرسل، ومثله لا يعارض به النصوص.
(١) في ب، ط: "حتى يقضيه بصوم شعبان".
(٢) ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٣/ ١٩٢، قال: عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم كل شهر ثلاثة أيام، فربما أخر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة، وربما أخره حتى يصوم شعبان. رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن أبي ليلى وفيه كلام.
(٣) لفظ "صام" لم يرد في آ، ع.
(٤) رقم (١١٦٠) في الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأبو داود رقم (٣٤٥٣) في الصوم، باب من قال: لا يبالي من أي الشهر، والترمذي رقم (٧٦٣) في الصوم، باب ما جاء في صوم ثلاثة أيام من كل شهر. وروي الحديث عن معاذة بنت عبد الله العدوية، قالت: "سألت عائشة: أكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم، قلت لها: من أيِّ أيام الشهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم".
(٥) رقم (١١٥٦) في الصيام، باب صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير رمضان.
(٦) الديمة: المطر الدائم في سكون. شبهت عائشة - رضي الله عنها - عمله في دوامه مع الاقتصاد، بديمة المطر الدائم. (النهاية ٢/ ١٤٧).

<<  <   >  >>