للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما ترى، إلَّا أني أبيتُ وليس في قلبي شيءٌ على أحدٍ من المسلمين. فقال عبدُ الله: بهذا بلغَ ما بَلَغَ. وفي سُنن ابن ماجَه (١) عن عبد الله بن عمرو، قال: "قيل: يا رسولَ اللهِ! أيُّ الناسِ أفضلُ؟ قال: كُلُّ مَخْمُومِ (٢) القَلْبِ، صَدوقِ اللِّسانِ. قالوا: صَدوقُ اللسانِ نعرفُه، فما مَخْمُومُ القَلْبِ؟ قال: هو التَّقِيُّ النَّقِيُّ الذي لا إثْمَ فيه، ولا بَغْيَ، ولا غِلَّ، ولا حَسَدَ".

قال بعضُ السَّلَفِ: أفضلُ الأعمالِ سلامةُ الصُّدُورِ، وسخاوةُ النُّفوسِ، والنَّصيحةُ للأمَّةِ؛ وبهذه الخصال بلَغَ مَنْ بَلَغَ، لا بكثرة الاجتهادِ في الصَّوم والصَّلاةِ.

إخواني! اجتنبوا الذُّنوبَ التي تَحرِمُ العبدَ مغفرةَ مولاهُ الغفَّارِ في مواسم الرَّحمةِ والتوبةِ والاستغفار. أمَّا الشِّرْكُ: فإنَّه {مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (٣). وأما القتلُ: فلو اجتمَعَ أهلُ السَّماواتِ وأهلُ (٤) الأرضِ على قتلِ رجلٍ مسلمٍ بغير حقٍّ لأكَبَّهُم اللهُ جميعًا في النارِ. وَأَمَّا الزِّنا: فحَذَارِ خذَارِ من التعرُّضِ لِسَخَطِ الجبَّارِ. الخَلْقُ كلُّهم عبيدُ الله (٥) وإماؤه، والله تعالى يغارُ، لا أَحَدٌ أغيَرَ مِنَ اللهِ أن يزنيَ عبدُه أو تزنيَ أَمَتُه، فمن أجل ذلك حرَّم الفواحِشَ وأمَرَ بِغَضِّ الأبصارِ (٦). وأمَّا الشَّحناءُ: فيا مَنْ أضمَرَ لأخيهِ السُّوءَ وقَصَدَ له الإضرارَ {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} (٧)، يَكفِيكَ حِرمانُ المغفرةِ في أوقاتِ مَغفرة الأوزارِ.

خابَ عبدٌ بارَزَ المَوْ … لَى بأسبابِ المَعَاصِي

وَيْحَهُ مِمَّا جَنَاهُ … لَمْ يَخَفْ يوْمَ القِصَاصِ


(١) رقم (٤٢١٦) في الزهد، باب الورع والتقوى، قال في الزوائد: هذا حديث صحيح، رجاله ثقات. وأورده الألباني في "صحيح ابن ماجه" ٢/ ٤١١. والمخموم: من خممت البيت، إذا كنسته.
(٢) في آ، ع بغير إعجام.
(٣) سورة المائدة الآية ٧٢.
(٤) لفظ "أهل" لم يرد في آ، ع.
(٥) في آ، ش، ع: "عبيده وإماؤه".
(٦) وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحَدُ أحبُّ إليه المدحُ من الله تعالى، من أجل ذلك مدح نفسَه". رواه البخاري ٩/ ٣١٩ في النكاح وغيره، ومسلم رقم (٢٧٦٠) في التوبة، باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش.
(٧) سورة إبراهيم الآية ٤٢.

<<  <   >  >>