للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَوْمٌ فيه تُرْعَدُ الأقدَامُ … مِن شَيْب النَّواصِي

لِي ذُنوبٌ في ازْدِيادٍ … وَحَيَاةٌ فيَ انْتِقَاصِ

فمَتَى أَعْمَلُ ما أَعْلَمُ … لِي فيهِ خَلَاصِي

وقد رُوي عن عِكْرمةَ وغيرِه مِن المفسِّرين في قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (١) أنَّها ليلةُ النِّصْفِ من شعبان. والجمهورُ على أنَّها ليلةُ القَدْرِ، وهو الصحيحُ (٢). وقال عطاءُ بن يَسار: إذا كان ليلةُ النِّصفِ من شعبانَ دُفعَ إلى مَلَكِ الموتِ صحيفةُ، فيقال: اقبضْ مَنْ في هذه الصحيفةِ، فإنَّ العَبْدَ لَيَغْرِسُ الغِرَاسَ، وينكِحُ الأزواجَ، ويبني البُنيانَ، وإنَّ اسْمَه قد نُسِخَ في الموتَى ما يَنتظِرُ به مَلَكُ الموتِ إلَّا أنْ يُؤمَرَ به فيقبضَه. يا مغرورًا بطولِ الأملِ، يا مسرورًا بسوءِ العَمَلِ، كُنْ مِنَ الموتِ على وَجَل (٣)، فما تدري متى يهجُمُ الأجَل.

كُلُّ امْرئٍ مُصبّحُ في أَهْلِهِ … والمَوْتُ أَدْنَى مِن شِراكِ نَعْلِهِ (٤)

قال بعضُ السَّلف: كم مِن مُستقبِلٍ يومًا لا يستكمِلُه، ومن مُؤمّلٍ غدًا لا يدرِكُه، إنَّكم لو رأيتم الأجَلَ ومسيرَهُ لأبغضتُمُ الأمَلَ وغُرورَهُ.

أُؤمِّلُ أَنْ أُخَلَّدَ والمنايا … تَدُورُ عليَّ مِن كُلِّ النَّواحِي

وَمَا أدرِي وإنْ أَمْسَيْتُ يومًا … لَعلِّي لا أعيشُ إلى الصَّبَاحِ

كَمْ مِمَّن رَاحَ في طلبِ الدنيا أو غَدَا، أصبَحَ مِن سكانِ القُبورِ غَدَا.

كأنَّكَ بالمضيِّ إلى سَبيلِكْ … وَقَدْ جَدَّ المُجهِّزُ في رَحِيلِكْ

وجيءَ بِغاسِلٍ فاسْتَعْجَلُوهُ … بقولِهم لَهُ افْرَغْ مِن غَسِيلِكْ

ولم تحمِلْ سِوَى كَفَنٍ وَقُطْنٍ … إليهِمْ (٥) مِن كَثيرِكَ أو قليلِكْ

وقد مَدَّ الرِّجالُ إليكَ نَعْشًا … فأنْتَ عليه مَمْدُودٌ بطولِكْ


(١) سورة الدخان الآية ٤.
(٢) راجع تفسير القرطبي ١٦/ ١٢٦ - ١٢٨، وتفسير ابن كثير ٤/ ١٣٧.
(٣) الوجل: الخوف.
(٤) الشِّراك. سير النعل على ظهر القدم.
(٥) في ع: "إليه".

<<  <   >  >>