للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفَضْلِ، وفيه دليلٌ على أنه يجوزُ لِمن صامَ شعبانَ أو أكثرَه أن يصلَهُ برمضانَ من غير فَصْلٍ بينهما. فصيامُ آخِر شعبانَ له ثلاثةُ أحوال:

أحدها: أنْ يَصومَه بِنيَّة الرمضانيَّةِ احتياطًا لرمضانَ، فهذا منهيٌّ عنه، وقد فعَلَه بعضُ الصحابة، وكأنَّهم لم يبلغهم النهيُ عنه؛ وفرَّق ابنُ عمرَ بينَ يوم الغيمِ والصَّحْوِ في يوم الثلاثين من شعبانَ، وتبعه الإمامُ أحمد.

والثاني: أن يُصامَ بنيَّةِ النذر (١) أو قضاءٍ عن رمضانَ أو عن كفَّارةٍ ونحو ذلك، فجوزَه الجمهورُ. ونهى عنه مَن أمَرَ بالفصل بين شعبانَ ورمضانَ بفطر يومٍ مُطلقًا (٢)، وهم طائفةٌ من السَّلفِ. وحُكي كراهتُهُ أيضًا عن أبي حنيفة والشافعي، وفيه نظرٌ.

والثالث: أن يُصامَ بنيَّةِ التطوُّعِ المطلَقِ، فكرِهَهُ مَن أمَرَ بالفَصْلِ بين شعبانَ ورمضانَ بالفِطر؛ منهم (٣) الحسنُ، وإن وافقَ صومًا كان يصومُه، ورخَّص فيه مالكٌ ومَن وافَقَه، وفَرَّق الشافعيُّ والأوزاعيُّ وأحمدُ وغيرُهم بينَ أن يُوافِقَ عادةً أولا، وكذلك يُفرَقُ بينَ مَن تقدَّم صيامُه بأكثَرَ مِن يومين ووَصَلَه برمضانَ، فلا يُكرَه أيضًا إلَّا عندَ من كَرهَ الابتداءَ بالتطوُّع بالصِّيامٍ بعدَ نصف شعبانَ؛ فإنَّه ينهَى عنه إلَّا أن يبتدئَ الصيامَ قبلَ النصفِ ثم يَصِلَه برمضان (٤).

وفي الجملة فحديثُ أبي هريرةَ هو المعمولُ به في هذا الباب عندَ كثيرٍ من العلماء وأنه يُكره التقدُّمُ قبلَ رمضانَ بالتطوُّعِ بالصيامِ بيوم أو يومين لمن ليس له به عادةٌ، ولا سَبَقَ منه صيامٌ قبلَ ذلك في شعبانَ متصلًا بآخِرِه. ولكراهة التقدُّم ثلاثةُ معانٍ:

أحدها: أنَّه على وجهِ الاحتياطِ لرمضانَ، فيُنهَى عن التقدُّم قبلَه؛ لئلَّا يزادَ في صيام رمضانَ ما ليس منه، كما نُهِي عن صيام يوم العيدِ لهذا المعَنى، حَذَرًا مِمَّا وقَعَ فيه أهَلُ الكتابِ في صيامهم، فزادوا فيه بآرائهم وأَهوائهم. وخرَّجَ الطبرانيُّ وغيرُه عن


(١) في ط: "الندب"، وهو تحريف.
(٢) في آ: "مطلق".
(٣) في آ، ع: "ومنهم".
(٤) في حاشية آ: "ولا يفصله بفطر".

<<  <   >  >>