للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عائشةَ - رضي الله عنها -، قالت: إنَّ ناسًا (١) كانوا يتقدَّمون الشهرَ فيصُومونَ قبلَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فأنزلَ الله عزَّ وجلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (٢). قالت عائشة: إنَّما الصومُ صَومُ النَّاسِ، والفِطْرُ فِطْرُ النَّاسِ (٣).

ومع هذا فكان من السَّلفِ مَنْ يتقدَّمُ للاحتياطِ، والحديثُ حجَّةٌ عليه، ولهذا نُهي عن صيامِ يومِ الشكِّ. قال عمَّار: مَنْ صامَهُ فقد عَصَى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -.

ويومُ الشكِّ: هو اليومُ الذي يُشَكُّ فيه؛ هل هو مِن رمضانَ أو غيرِه؟ فكان من المتقدِّمينَ مَنْ يَصُومُه احْتِياطًا، ورخَّصَ فيه بعضُ الحنفيَّةِ للعلماءِ في أنفسِهِم خاصَّةً دون العامَّةِ، لئلَّا يعتقدوا وُجوبَه بناءً على أصلِهم في أن صومَ رمضانَ يُجزئ بنيَّةِ الصيامِ المطلقِ والنَّفلِ، ويومُ الشكِّ هو الذي تحدَّثَ برؤيته مَن لم يُقبَلْ قولُه.

فأمَّا يومُ الغيمِ: فمِنَ العُلماءِ مَنْ جعَلَه يومَ شكِّ ونهى عن صيامِه، وهو قولُ الأكثرينَ؛ ومنهم من صامه احْتياطًا، وهو قولُ ابن عمرَ، وكان الإِمامُ أحمدُ يتابعُه على ذلك؛ وعنه في صيامِهِ ثلاثُ رواياتٍ مشهوراتٍ؛ ثالثُها: لا يُصامُ الَّا مع الإمامِ وجماعةِ المسلمين؛ لئلَّا يقعَ الافتياتُ عليهم والانفرادُ عنهم. وقال اسحاقُ: لا يُصامُ يومُ الغيم، ولكن يتلوَّمُ (٤) بالأكل فيه (٥) إلى ضَحْوةِ النَّهارِ خَشيةَ أن يُشهدَ برؤيته بخلافِ حال الصَّحْو؛ فإنه يأكُلُ فيه من غدوةٍ.

والمعنى الثاني: الفَصْلُ بين صيام الفرض والنَّفْل؛ فإنَّ جنسَ الفصلِ بينَ الفرائض والنَّوافِل مشروعٌ، ولهذا حَرُمَ صِيامُ يوم العيدِ. ونَهَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ توصَلَ صلاةٌ مفروضةٌ بصلاةٍ حتى يُفصَلَ بينهما بسلام أوَ كلامٍ، وخصوصًا سُنَّةُ الفجر قبلَها، فإنَّه يُشرَعُ الفصْلُ بينها وبين الفريضةِ، ولهذا يُشْرَعُ صلاتُها في البيت والاضطجاعُ بعدَها.


(١) في آ: "أناسًا". والأصل في الناس: الأناس مخفَّف، فجعلوا الألف واللام عوضًا عن الهمزة، وقد قالوا: الأناس. (التاج: أنس).
(٢) سورة الحجرات الآية ١.
(٣) رواه الطبراني في الأوسط وابن مردويه، كما في "الدر المنثور" للسيوطي ٧/ ٥٤٧.
(٤) في ع: "يتصبر". والتلَوُّم: الانتظار والتلبُّث.
(٥) في آ، ش: "منه".

<<  <   >  >>