للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولمَّا رأى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يُصلِّي وقد أقيمت صلاةُ الفجر، قال له: "الصُّبْحَ أَرْبعًا" (١).

وفي "المسند" (٢) أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: "افصِلُوا بينها وبين المكتوبة ولا تجعلوها كصلاة الظهر".

وفي سنن أبي داودَ (٣) أن رجلًا صلى مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فلمَّا سلَّم قامَ يَشفَعُ، فوثَبَ عليه عمرُ فأخَذَ بمنكِبيه، فهزَّه، ثم قال: اجلسْ، فإنَّه لم يَهلِكْ أهلُ الكتابِ، إلَّا أنَّه لم يكن لصلاتهم فصْلٌ، فرفَعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بصَرَهُ، فقال: "أصابَ الله بكَ يا ابنَ الخطَّابِ". ومَنْ عَلَّلَ بهذا؛ فمنهم مَن كَرِهَ وَصْلَ صَوم شعبانَ برمضانَ مطلقًا. ورُوي عن ابن عُمَرَ، قال: لو صُمْتُ الدَّهْرَ كلَّه لأفْطَرْتُ الذَي بينهما. ورُوي فيه حديث مرفوعٌ لا يصِحُّ. والجمهورُ على جواز صيامِ ما وافَقَ عادةً؛ لأنَّ الزِّيادة إنَّما تُخشَى إذا لم يُعرفْ سَببُ الصِّيام.

والمعنى الثالث: أنَّه أمرَ بذلك؛ للتقوَّي على صِيامِ رمضانَ؛ فإنَّ مُواصلَةَ الصِّيامِ قد تُضعِفُ عن صيام الفَرْضِ، فإذا حصل الفِطرُ قبلَه بيوم أو يومين كان أقربَ إلى التقوِّي على صِيام رَمضانَ. وفي هذا التعليل نظرٌ، فإنه لا يُكرَهُ التقدُّمُ بأكثرَ من ذلك، ولا لمن صام الشهر كلَّه، وهو أبلَغُ في معنَى الضُّعف، لكنَ الفطر بنيَّةِ التقوِّي لصيامِ رمضانَ حَسَنٌ لمن أضعَفُه مُواصلَةُ الصيامِ، كما كان عبدُ الله بن عمرو بن


(١) رواه البخاري رقم (٦٦٣) في صلاة الجماعة: باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة؛ ومسلم رقم (٧١١) في صلاة المسافرين: باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع الأذان؛ والنسائي ٢/ ١١٧ في الإمامة: باب ما يكره من الصلاة عند الإقامة، ومسند أحمد ٥/ ٣٤٥؛ من حديث عبد الله بن مالك بن بُحَيْنة - رضي الله عنه -، قال: "مَرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجلٍ - وفي رواية أنه رأى رجلًا - وقد أقيمت الصلاة يصلِّي ركعتين، فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاثَ به الناس، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: آلصبحَ أربعًا؟ آلصبحَ أربعًا؟ ".
(٢) مسند أحمد ٥/ ٣٤٥ عن عبد الله بن مالك بن بُحَيْنة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مَر به وهو يصلِّي يطوِّل صلاته، أو نحو هذا، بين يدي صلاة الفجر، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجعلوا هذه مثل صلاة الظهر قبله أو بعدها، اجعلوا بينهما فصلًا".
(٣) رقم (١٠٠٧) في الصلاة: باب في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة.

<<  <   >  >>