للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أين حَالُ هؤلاء الحمقَى مِن قومٍ كان دهرُهم كلُّه رمضانَ، ليلُهُم قيامٌ ونهارُهُم صِيامٌ.

باعَ قومٌ مِن السَّلفِ جاريةً، فلمَّا قَرُبَ شهر رمضانَ رأتهم يتأهَّبُون (١) له ويستعِدُّون بالأطعمة وغيرِها، فسألتهم فقالوا: نتهيَّأُ لصيام رمضانَ، فقالَتْ: وأنتم لا تصومون إلَّا رمضانَ؟ لقد كنتُ عندَ قوم كلُّ زمانِهم رمضَانُ، رُدُّوني عليهم. وباع الحسنُ بن صالح (٢) جاريةً له، فلمَّا انتصَفَ الليلُ قامَتْ فنادتهم: يا أَهْلَ الدَّارِ، الصَّلاةَ الصَّلاةَ، قالوا: طلَعَ الفجْرُ؟ قالت: وأنتم لا تُصَلُّون إلَّا المكتوبةَ، ثم جاءَتْ إلى (٣) الحسن، فقالت: بعتني على قومِ سُوءٍ لا يُصلُّون إلا المكتوبةَ (٤)، رُدَّني رُدَّني.

قال بعضُ السَّلفِ: صُمِ الدُّنيا واجْعَلْ فِطرَكَ الموتَ. الدُّنيا كلُّها شهرُ صيام المتقينَ، يَصُومون فيه عن الشَّهواتِ المُحرَّماتِ، فإذا جاءَهُم الموتُ فقد انقضَى شهرُ صيامِهم واستهلُّوا عيدَ فطرِهم.

وَقَدْ صُمْتُ عَن لذَّاتِ دَهرِيَ كُلِّها … وَيوْمُ لِقاكُمْ ذاكَ فِطْرُ صِيامِي

مَنْ صَامَ اليومَ عن شهواتِهِ أفطرَ عليها بعدَ مماتِه، ومن تعجَّل ما حُرِّمَ عليه قبلَ وفاتِهِ عُوقِبَ بِحرْمانِهِ في الآخِرةِ وفواتِهِ، وشاهِدُ ذلك قوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} (٥). الآية. وقولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ شرِبَ الخمرَ في الدُّنيا لم يشربْها في الآخرة" (٦)، و"مَنْ لَبِسَ الحريرَ في الدُّنيا لم يَلْبَسْهُ في الآخِرة" (٧).


(١) في ب: "يتهيؤون".
(٢) الحسن بن صالح بن صالح بن حَي، أبو عبد الله الكوفيّ، ثقة فقيه عابد، أخو الإمام علي بن صالح. أخذ عليه أنه كان يترك الجمعة ولا يراها خلف أئمة الجور. مات سنة ١٦٩ هـ. (سير أعلام النبلاء ٧/ ٣٦١).
(٣) لفظة "إلى" سقطت من (ط).
(٤) في آ، ع: "الفرائض"، وفي ش: "المفروض".
(٥) سورة الأحقاف الآية ٢٠.
(٦) من حديث أخرجه البخاري ١٠/ ٢٥، ٢٦ في الأشربة، في فاتحته؛ ومسلم رقم (٢٠٠٣) في الأشربة، باب بيان أن كل مسكر خمر، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -.
(٧) أخرجه البخاري ١٠/ ٢٨٤ في اللباس، باب في لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه؛ ومسلم رقم (٢٠٧٣) في اللباس، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة للرجال والنساء، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، وللحديث روايات أخر أوردها ابن الأثير في "جامع الأصول" ١٠/ ٦٧٧ - ٦٨٠.

<<  <   >  >>