للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللغو والرَّفث". قال الحافظ أبو موسى المديني: هو على شرط مسلم.

قال بعضُ السَّلف: أهون الصِّيام تركُ الشراب والطعام. وقال جابر: إذا صُمْتَ فلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ ولسانُك عن الكذب والمحارم، وَدَعْ أَذَى الجار، وليكُنْ عليك وقارٌ وسكينةٌ يومَ صومِكَ، ولا تجعَلْ يومَ صومِك ويومَ فِطْرِك سواءً.

إذا لم يكن في السَّمع منِّي تصاونٌ … وفي بَصَري غضٌّ وفي منطِقي صَمْتُ

فحظِّي إذًا مِنْ صَوْمِيَ الجُوعُ والظَّما … فإنْ قلْتُ إنِّي صُمْتُ يومي فما صُمْتُ

وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ربَّ صائمٍ حظُّه مِن صيامِهِ الجوع والعطشُ، ورُبَّ قائمٍ حظُّه من قيامِهِ السَّهَرُ" (١). وسِرُّ هذا أنَّ التقرُّب إلى الله تعالى بترك المباحات لا يكمل إلَّا بعد التقرب إليه بترك المحرَّمات، فمن ارتكب المحرمات ثم تقرَّب بترك المباحات، كان بمثابة من يتركُ الفرائض ويتقرَّبُ بالنوافل، وإن كان صومُه مجزئًا عندَ الجمهور بحيث لا يؤمَرُ بإعادته؛ لأن العملَ إنَّما يبطُلُ بارتكاب ما نُهِي عنه فيه لخصوصه، دون ارتكاب ما نُهي عنه لغير معنىً يختَصُّ به. هذا هو أصلُ جمهور العلماءِ.

وفي مسند الإمام أحمد (٢): إنَّ امْرَأتين صامتا في عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فكادتا أَنْ تموتا من العَطَش، فذُكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأعرض، ثم ذُكِرتا له فَدَعَاهُما فأمَرَهُما أن يتقيَّآ، فقاءَتا مِلْءَ قَدَحٍ قَيْحًا ودمًا وصَديدًا ولحمًا عَبيطًا (٣). فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ هاتين صامتا عمَّا أحَلَّ الله لهما، وأفطرتا على ما حرَّم الله عليهما؛ جلسَتْ إحداهما إلى الأخرى، فجعلتا يأكُلانِ لُحومَ النَّاسِ".

ولهذا المعنى - والله أعلم - ورد في القرآن بعدَ ذِكْر تحريم الطعام والشَّراب على الصَّائم بالنَّهار ذِكْرُ تحريم أكل أموالِ الناس بالباطل (٤)؛ فإنَّ تحريم هذا عامٌّ في كُلِّ


(١) رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٢/ ٣٧٣، وابن ماجه رقم (١٦٩٠) في الصيام: باب ما جاء في الغيبة والرفث للصائم، عن أبي هريرة، وإسناده ضعيف، لضعف أسامة بن زيد العدوي.
(٢) مسند أحمد ٥/ ٤٣١.
(٣) اللحم العبيط: الطَّري غير النَّضيج. وفي هامش نسخة (ب) ما نصه: قال الطبري: الدم العبيط: الذي لا يخالطه شيء.
(٤) راجع الآيات ١٨٣ - ١٨٨ من سورة البقرة.

<<  <   >  >>