للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أفواههم ريحُ المِسْكِ، ويوضَعُ لهم مائدةٌ تحت العرش؛ يأكلون منها والناسُ في الحساب". (١).

وعن أنس موقوفًا (٢): "إن لله مائدةً لم تَرَ مثلَها عينٌ، ولم تسمَعْ أذُنٌ، ولا خَطَرَ على قلب بشرٍ، لا يقعدُ عليها إلَّا الصَّائمون".

وعن بعض السلف، قال: بلغنا أنه يوضَعُ للصُّوَّام مائدةٌ يأكلون عليها والناسُ في الحساب، فيقولون: يارَبٌ! نحنُ نُحَاسَبُ وهم يأكلون؟! فيقال: إنَّهم طالما صامُوا وأفطرْتُم، وقاموا ونمتم. رأى بعضُهم بشرَ بنَ الحارث (٣) في المنام وبين يديه مائدةٌ وهو يأكل، ويقال له: كُلْ يا مَن لم يأكُلْ، واشْرَبْ يا من لم يشرَبْ. كان بعضُ الصالحين قد صام حتى انحنى وانقطع صوتُه فمات، فرئي (٤) بعضُ أصحابه الصالحين في المنام فسئل عن حالِهِ، فضحك وأنشد:

قد كُسِي حُلَّةَ البهاءِ وطافَتْ … بأباريقَ حولَهُ الخُدَّامُ

ثم حُلِّي وقِيلَ يا قارئ ارْقا … فلَعَمْري لقد براك الصِّيامُ

اجتاز بعضُ العارِفين (٥) بمنادٍ ينادي على السَّحور في رمضانَ: ياما خبأنا للصُّوَّام (٦)! فتنبَّه بهذه الكلمة، وأكثَرَ من الصِّيام. رأى بعضُ العارفين في منامه كأنه أُدخِل الجنَّة، فسمع قائلًا يقول له: هل تذكر أنَّكَ صُمْتَ لله يومًا قطٌ؟ فقال: نعم! قال: فأخذتني صواني النِّثار (٧) من الجنة. من ترك لله في الدنيا طعامًا وشرابًا وشهوةً مُدَّةً يسيرةً عوَّضَهُ اللهُ عندَهُ طعامًا وشرابًا لا ينفَدُ، وأزواجًا لا يَمُتْنَ أبدًا. شهرُ رمضان فيه يُزوَّجُ الصائمون. في الحديث (٨): "إنَّ الجنَّة لَتُزَخْرَفُ وتُنَجَّدُ من الحَوْلِ إلى


(١) الدر المنثور ١/ ١٨٢ نقلًا عن كتاب الجوع، لابن أبي الدنيا.
(٢) في ع: "مرفوعًا".
(٣) ويقال له بشر الحافي، ويكنى أبا نصر. من كبار الصالحين، له في الزهد والورع أخبار، وهو من ثقات رجال الحديث، من مرو، سكن بغداد، وتوفي فيها سنة ٢٢٧ هـ. والخبر بنحوه في "صفة الصفوة" ٢/ ٢٣٥.
(٤) في ب، ط: "فرآه … فسأله".
(٥) في ب، ط: "الصالحين".
(٦) في آ، ش، ع: "للصائمين".
(٧) النِّثار: ما نثر في حفلات السرور من حلوى وغيرها، ويقال: ما أصبت من النِّثار شيئًا.
(٨) ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٣/ ١٤٢ عن ابن عمر، مختصرًا، وقال: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط باختصار، وفيه الوليد بن الوليد القلانسي، وثقه أبو حاتم وضعفه جماعة".

<<  <   >  >>