للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنما العيشُ جوارُ الله … في دارِ الأمانِ

الطبقة الثانية من الصائمين: مَن يصومُ في الدنيا عمَّا سِوى الله، فيحفظ الرأس وما حَوَى، ويحفظ البطنَ وما وَعَى، ويذكر الموتَ والبِلَى، ويريد الآخرة فيترك زينة الدنيا. فهذا عيدُ فطره يومَ لقاء رَبِّه وفرحه برؤيته.

أهلُ الخُصوصِ من الصُّوَّامِ صَومُهُمُ … صونُ اللسانِ عن البُهتان والكَذِب

والعارفون وأهلُ الأنسِ صومُهُمُ … صَوْنُ القلوبِ عن الأغيارِ والحُجُبَ

العارفون لا يسلِّيهم عن رؤية مولاهم قَصْرٌ، ولا يُروِّيهم دونَ مشاهدته نَهْرٌ؛ هِمَمُهُم أجلٌ من ذلك.

كبُرَتْ همَّةُ عبدٍ … طَمِعَتْ في أن تراكَ

مَنْ يَصُمْ عن مُفطراتٍ … فصيامي عن (١) سِواك

مَنْ صام عن شهواته في الدنيا، أدركَها غدًا في الجنَّة. ومَن صام عمَّا سِوى الله، فعيدُه يوم لقائه، {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ} (٢).

وقد صُمْتُ عن لذَّاتِ دَهْرِي كلِّها … ويومَ لقاكم ذاكَ فِطْرُ صِيامي

رُؤي بِشرٌ (٣) في المنام، فسئل عن حاله، فقال: عَلِمَ قلَّة رَغبتي في الطعام فأباحني النظر إليه. وقيل لبعضهم: أين نطلبُكَ في الآخرة؟ قال: في زمرة النَّاظرين إلى الله، قيل له: كيف علِمْتَ ذلك؟ قال: بِغضِّي (٤) طرفي له عن كُلِّ محرَّمٍ، وباجْتنابي فيه كُلَّ منكرٍ ومأثمٍ؛ وقد سألته أن يجعلَ جنَّتي النَّظر إليه.

يا حبيبَ القُلوب مَنْ لي سِواكا (٥) … أرْحَمِ اليومَ مُذْنبًا قد أتاكا

ليس لي في الجَنان مولايَ رأسٌ (٦) … غيرَ أنِّي أريدُها لأراكا


(١) في ب، ط: "عمَّن سواك".
(٢) سورة العنكبوت الآية ٥.
(٣) هو بشر الحافي، وقد سبقت ترجمته.
(٤) في ب، ط: "بغض طرفي".
(٥) في ط: "ما لي سواكا".
(٦) في آ: "ليس لي في الجنان كل مرام"، وفي ش: "ليس لي في الجنان رأي ولكن"، وفي ع: "ليس لي في الجنان أحسن رأي"، وأثبت ما جاء في ب، ط.

<<  <   >  >>