للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتَّى (١) إذا انتسَبَ إلى طاعته ورِضَاهُ فهو الكامِلُ في الحقيقة.

خُلُوفُ أفواهِ الصائمين له أطيبُ مِن ريحِ المِسْك. عُرْيُ المحرِمِينَ لزيارة بيتِهِ أجمَلُ مِن لباسِ الحُلَل. نَوْحُ المُذنبينَ على أنفسهم من خشيتِه أفضَلُ من التسبيح. انكسارُ المخبتين (٢) لعظمتِهِ هو الجبْر. ذُلُّ الخائفين من سطوته هو العِزُّ. تهتُّكُ المحبِّينَ في محبَّته أحسنُ من السَّتْرِ. بَذْلُ النُّفوسِ للقتل في سبيله هو الحياة. جُوعُ الصَّائمين لأجله هو الشِّبْع، عَطَشُهم في طلب مرضاتِهِ هو الرِّيُّ. نَصَبُ المجتهدين (٣) في خدمته هو الرَّاحة.

ذُلُّ الفَتَى في الحُبِّ مَكْرُمَةٌ … وخُضُوعُهُ لحبِيبِهِ شرَفُ

هَبَّت اليومَ على القلوب نفحةٌ بن نَفَحَات نسيم القُرْب. سَعَى سِمْسَارُ المواعظِ للمهجورين في الصلح. وَصَلَت البِشارةُ للمنقطعين بالوصل، وللمذنبين بالعَفْو، وللمستوجبين النارَ بالعتق.

لمَّا سُلْسِلَ الشَّيْطانُ في شهر رمضانَ، وخمَدَتْ نيرانُ الشَّهواتِ بالصِّيام، انعزَلَ سلطانُ الهَوَى، وصارت الدولةُ لحاكِم العَقْل بالعَدْل؛ فلم يبقَ للعاصي عُذْرٌ. يا غُيومَ الغفلةِ عن القلوب تقشَّعِي. يا شُموسَ التقوَى والإِيمانِ اطلعي. يا صحائفَ أعمال الصَّالحين (٤) ارتفعي. يا قلوبَ الصَّائمين اخشَعي. يا أقدامَ المجتهدين اسجدي لربِّك واركعِي. يا عيونَ المتهجدين لا تهجعي. يا ذنوبَ التائبين لا ترجِعي. يا أرضَ الهَوَى ابلعِي ماءك. ويا سَماءَ النُّفوسِ أَقْلِعي. يا بروقَ الأَشواق للعشاق المعِي. يا خواطرَ العارفين ارتعي. يا هِمَمَ المحبِّين بغير الله لا تقنعي. يا جُنَيْدُ (٥) اطْرَبْ. يا شِبْلِيُّ (٦)


(١) لفظ "حتى" زيادة من (ط).
(٢) الإخباب: الخشوع والتواضع.
(٣) في ش: "المتهجدين".
(٤) في ب، ش: "القائمين"، وفي ط: "الصائمين".
(٥) هو الجُنَيد بن محمد بن الجُنيد البغدادي الخزاز، أبو القاسم، صوفي، من العلماء بالدَّين. عدَّه العلماء شيخ مذهب التصوف؛ لضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسنة، مات سنة ٢٩٧ هـ. (صفة الصفوة ٢/ ٤١٦، تاريخ بغداد ٧/ ٢٤١).
(٦) هو أبو بكر الشِّبلي، دلف بن جحدر، ناسك، ولي الحجابة للموفق العباسي، وكان أبوه حاجب الحجاب، ثم ترك الولاية وعكف على العبادة، له شعر جيد، سلك به مسلك المتصوفة، توفي سنة ٣٣٤ هـ. (صفة الصفوة ٢/ ٤٥٦، تاريخ بغداد ١٤/ ٣٨٩).

<<  <   >  >>