للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأمَّا من كان معَهُ القرآن فنام عنه بالليل ولم يَعْمَلْ به بالنهار، فإنَّه ينتصبُ القرآنُ خَصْمًا له، يطالبُه بحُقوقِه التي ضيَّعها. وخرَّج الإِمام أحمد (١) من حديث سَمُرَةَ: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رأى في مَنَامِه رجلًا مستلقيًا على قَفَاهُ، ورجلٌ قائِمٌ بيدِه فِهْرٌ (٢) أو صَخْرةٌ، فيشْدَخُ بهِ رأسَه، فيتَدَهْدَهُ (٣) الحَجَرُ، فإذا ذَهَبَ ليأخُذَهُ عادَ رأسُهُ كما كان، فيَصْنَعُ به مثلَ ذلك، فسألَ عنه، فقيل له: هذا رَجُلٌ آتاهُ الله القرآن فنامَ عنه باللَّيل، ولم يَعْمَلْ به بالنهارِ، فهو يَفْعَلُ به ذلك إلى يوم القيامة".

وقد خرَّجَهُ البخاري (٤) بغير هذا اللفظ.

وفي حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يُمثِّلُ القرآنُ يومَ القيامة رجُلًا، فيُؤتَى بالرجُلِ قد حَمَلَهُ فخالَفَ أمرَهُ، فيتمثَّلُ له خَصْمًا، فيقول: يا ربّ! حَمَّلْتَهُ إيايَ؛ فبئسَ حاملٌ تعدَّى حُدودي، وضيَّع فرائضي، وركِبَ مَعْصِيَتي، وتَرَكَ طاعتي. فما يَزالُ يقذِفُ عليه بالحُجَجِ حتى يُقالَ: شأنُكَ به، فيأخُذُ بيدِهِ، فما يُرْسِلُهُ حتَّى يَكُبَّهُ على مَنْخِرِه في النار.

ويُؤتى بالرَّجل الصَّالح كان قد حملَهُ وحفِظَ أمرَهُ، فيتمثَّلُ (٥) خَصْمًا دونهُ، فيقول: يا ربّ! حَملْتَهُ إيَّايَ، فخيرُ حاملٍ؛ حفِظَ حُدودِي، وعَمِلَ بفرائضي، واجْتنَبَ معصيتي، واتَّبَعَ طاعتِي، فلا يَزالُ يَقذِفُ له بالحُجَج حتَّى يقالَ: شأنَكَ به، فيأخُذُ بيدِه، فما يُرسِلُهُ حتَّى يُلبِسَهُ حُلَّة الاسْتبرقِ، وَيَعْقِدَ عليه تاجَ المُلْكِ، ويسقِيَهُ كأسَ الخَمْرِ" (٦).

يا مَنْ ضيَّع عُمُرَهُ في غير الطاعة! يا مَن فَرَّط في شَهْرِه، بَلْ في دهرِه وأضَاعَه! يا مَن بضاعتُه التسويفُ والتفريط، وبئست البضاعَة! يا مَن جَعَلَ خَصْمَهُ القرآنَ وشَهْرَ رمضانَ، كيفَ ترجو مِمَّن جَعَلْتَه خَصْمَكَ الشَّفَاعَة؟!


(١) من حديث طويل أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" ٥/ ١٤.
(٢) الفِهْرُ: الحجر ملءُ الكفِّ. وقيل: الحجر مطلقًا. (النهاية ٣/ ٤٨١).
(٣) يتدهدَهُ الحجر، ويتدهْدَى: يتدحرج. (النهاية ٢/ ١٤٣).
(٤) البخاري ٣/ ٢٥١ في الجنائز: باب (٩٣) رقم (١٣٨٦).
(٥) في آ، ش، ع: "فيمثل".
(٦) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٠/ ٤٩١، وأبو نعيم في "الحلية" ٢/ ٢٢٠ من طريق ابن أبي شيبة، والهندي في "الكنز" ١/ ٥٤٦.

<<  <   >  >>