للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويلٌ لمن شفعاؤه خُصماؤهُ … والصُّورُ في يومِ القيامةِ يُنْفَخُ

رُبَّ صائمٍ حظُّه مِن صيامه الجوعُ والعطَشُ، وقائمٍ حظُّه مِن قيامِهِ السَّهَرُ. كُلُّ قيامٍ لا ينهَى عن الفحشاءِ والمنكر لا يزيدُ صاحبَه إلا بُعْدًا، وكُلُّ صِيامٍ لا يُصانُ عن قَوْلِ الزُّورِ والعَمَلِ به لا يورِثُ صاحبَه إلَّا مَقْتًا وَرَدًّا.

يا قوم! أين آثارُ الصيام؟ أينَ أنوارُ القِيام؟

إنْ كنْتَ تَنُوحُ يا حَمامَ البانِ … للبِين فأينَ شاهِدُ الأحزانِ

أجفانُكَ للدُّموعِ أمْ أجفاني … لا يُقبَلُ مُدَّعٍ بلا بُرهانِ

هذا - عبادَ الله - شهْرُ رمضانَ الذي أنزِلَ فيه القرآنُ وفي بقيته للعابدين مستمتع. وهذا كتابُ الله يُتلَى فيه بين أظهركم ويُسْمَع. وهو القرآن الذي لو أُنزل على جبلٍ لرأيتَه خاشعًا يتصدَّعْ. ومع هذا فلا قلبٌ يخشَعْ، ولا عَيْنٌ تدمَعْ، ولا صِيامٌ يُصانُ عن الحرام فينفَعْ (١)! ولا قيامٌ استقام فيُرجى في صاحبه أن يشفَعْ! قلوبٌ خلَتْ من التَّقْوَى فهيَ خرابٌ بلقَعْ، وتراكَمَتْ عليها ظلمةُ الذُّنوب فهي لا تُبصِرُ ولا تسْمَعْ. كم تُتلَى علينا آياتُ القرآن وقلوبُنا كالحجارة أو أشدُّ قَسْوةً. وكم يتوالى علينا شَهْرُ رمضانَ وحالُنا فيه كحالِ أهلِ الشِّقوة: لا الشَّابُ منَّا ينتهي عن الصَّبْوةِ، ولا الشَّيخُ ينزجِرُ عن القبيح فيلتحق (٢) بالصفوة. أين نحن من قومٍ إذا سمِعُوا داعيَ اللهِ أجابُوا الدَّعْوَه، وإذا تُلِيَتْ عليهم آياتُ اللهِ جَلَتْ قلوبَهم جلْوَه، وإذا صامُوا صامَتْ منهم الألسنَةُ والأسماعُ والأبصار؟ أفما لنا فيهم أسوَه؟! كم بيننا وبين حال أهل الصَّفا أبعد مما بيننا وبين الصَّفا والمَرْوَه. كما حسُنَتْ منَّا الأقوال ساءت الأعمالُ. فلا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العلي العظيم [وحسبنا الله] (٣).

يا نفسُ فازَ الصالحُون بالتُّقَى … وأبصَرُوا الحقَّ وقلبي قد عمِي

يا حُسْنَهم واللَّيلُ قد جنَّهُم … ونورُهم يفوقُ نورَ الأنجُمِ


(١) في آ: "فيشفع".
(٢) في آ: "ليلحق"، وفي ع: "فيلحق".
(٣) زيادة من ب، ط.

<<  <   >  >>