للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسولَك، فأنجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي" (١). فأتاه جبريلُ، فقال: "خُذْ قَبْضَة مِن تُرابٍ فارْمِهم بها، فأخَذَ قَبْضَةً من حَصْباءِ الوادي فرمَى بها نحوَهم، وقال: "شَاهَت الوُجُوه" فلم يبقَ مُشْرِكٌ إلَّا دَخَلَ في عَيْنَيْهِ ومَنْخِرِه وفمه شيءٌ، ثم كانت الهزيمة. وقال حكيم بن حزام: سمِعْنا يومَ بدْرٍ صوتًا وقَعَ من السَّماء كأنَّه صوتُ حَصَاةٍ على طَسْتٍ، فرمَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - تِلكَ الرَّميَةَ، فانهزمنا. ولما قدِمَ الخبَرُ على أهل مكة قالوا لمن أتاهم بالخبر: كيف حالُ الناسِ؟ قال: لا شيءَ، والله إن كان إلَّا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا، يقتلونا ويأسرونا كيف شاؤوا، وأيْمُ الله، مع ذلك ما لمتُ النَّاسَ؛ لقينا رجالًا (٢) على خيلٍ بُلقٍ بين السَّماء والأرضِ ما يقومُ لها شيءٌ (٣).

وقتل الله صنادِيدَ كفَّارِ قريش يومئذ؛ منهم عُتبة بن ربيعة، وشيبةُ (٤)، والوليدُ بن عتبة، وأبو جهلٍ، وغيرُهم. وأسَرُوا منهم سبعين. وقصَّة بدْرٍ يطولُ استقصاؤها، وهي مشهورة في التفسير وكتب الصحاح والسنن والمسانيد والمغازي والتواريخ وغيرِها. وإنما المقصودُ هاهنا التنبيهُ على بعض مقاصدِها. وكان عدوُّ اللهِ إبليسُ قد جاء إلى المشركين في سورة سُرَاقَةَ بن مالكٍ، وكانت يدُهُ في يدِ الحارث بن هشام، وجعل يُشجعهم ويعِدُهم ويمنِّيهم، فلمَّا رأى الملائكةَ هَرَبَ وألقى نفسَه في البحر. وقد أخبَرَ اللهُ عن ذلك بقوله تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (٥).

وفي الموطأ (٦) حديثٌ مرسَلٌ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "ما رُؤِي الشَّيطانُ أحقَرَ ولا أَدْحَر (٧) ولا أَصْغَرَ من يوم عرفَةَ، إلَّا ما رأى يَوْمَ بدر. قيل: وما رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ؟ قال:


(١) رواه بنحوه الإمام أحمد في "مسنده" ١/ ٣٠، ٣٢. وفي تاريخ الإِسلام (المغازي) للذهبي ص ١٠٩: "اللهم، هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها تُحَادُّك وتكذِّب رسولك".
(٢) زاد في البداية والنهاية: "بيضًا".
(٣) البداية والنهاية ٣/ ٣٠٩.
(٤) أي: شيبة بن ربيعة.
(٥) سورة الأنفال الآية ٤٨، وانظر تفسير ابن كثير ٢/ ٣١٧ - ٣١٨.
(٦) أخرجه الموطأ مرسلًا من حديث طلحة بن عبيد الله بن كريز ١/ ٤٢٢ في الحج، باب جامع الحج، قال الزرقاني في "شرح الموطأ": وصله الحاكم في "المستدرك" عن أبي الدرداء. ولفظه في الموطأ: "ما رؤي الشيطان يومًا هو أصغر ولا أدحر … ".
(٧) الدَّحْر: الطرد والإِبعاد.

<<  <   >  >>