للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأى جبريلَ يَزَعُ الملائكة". فإبليس عدوُّ اللهِ يَسعَى جهدَه في إطفاءِ نورِ الله وتوحيدِه، ويُغرِي بذلك أولياءَه من الكفَّار والمنافقين. فلمَّا عجز عن ذلك بنصر الله نبيَّه وإظهار دينِه على الدِّين كُلِّه، رضِي بإلقاء الفتن بين المسلمين، واجْتَزَى منهم بمحقَّرَات الذنوب حيثُ عَجَزَ عن ردِّهم عن دينهم؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "إنَّ الشيطان قد أيس (١) أن يَعبُدَة المصلُّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم". خرَّجه مسلم (٢) من حديث جابر. وخرَّج الإمام أحمد (٣) والنسائي والترمذي وابنُ ماجه من حديث عمرو بن الأحوص، قال: سمعْتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في حجة الوَدَاع: "ألا إنَّ الشَّيطانَ قد أَيسَ (٤) أن يُعْبَدَ في بلدكم هذا أبدًا، ولكن سيكونُ له طَاعَةٌ في بَعْضِ ما تحتَقِرُون مِن أعمالِكُم، فيرضَى بها".

وفي صحيح الحاكم (٥) عن ابن عبَّاسٍ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ في حَجَّةِ الوَدَاع، فقال: "إنَّ الشَّيطان قد يئس (٦) أن يُعْبَدَ بأرضكم، ولكنَّه يرضَى أن يُطَاعَ فيما سِوى ذلك؛ فيما تَحَاقَرون من أعمالكم؛ [فيرضَى بها] (٧) فاحْذَروا، يا أيُّها الناس، إنِّي قد تركْتُ فيكم ما إنْ اعْتَصَمْتم به فَلَن تَضِلُّوا أبدًا: كِتَابَ الله، وسُنَّةَ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ". ولم يعظم على إبليسَ شيء أكبَرُ (٨) مِن بعثةِ محمّد - صلى الله عليه وسلم -، وانتشارِ دعوته في مشارق الأرض ومغاربها؛ فإنه أيسَ أن تعودَ أمَّتُه كلُّهم إلى الشرك الأكبر.

قال سعيدُ بن جُبَير: لمَّا رأى إبليسُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قائمًا بمكَّةَ يصلِّي رَنَّ. ولمَّا افتتح النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ رَنَّ رَنَّةً أخرى؛ اجتمعَتْ إليه ذريته، فقال: ايئسوا (٩) أن تردُّوا أمَّة


(١) في ب، ط: "يئس".
(٢) رقم (٢٨١٢) في صفات المنافقين: باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس. والترمذي رقم (١٩٣٨) في البر والصلة. والتحريش: الإِغراء وإيقاع الفتن بين الناس، وحمل بعضهم على بعض بإيقاع الفساد بينهم.
(٣) مسند أحمد - مختصرًا - ٣/ ٤٢٦، والترمذي رقم (٢١٦٠) في الفتن: باب ما جاء دماؤكم وأموالكم عليكم حرام، قال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه رقم (٣٠٥٥) في المناسك: باب الخطبة يوم النحر، وأورده الألباني في "صحيح ابن ماجه" ٢/ ١٨١. كما أخرجه الطبراني في الكبير ١٧/ ٣١ - ٣٢.
(٤) لغة في يئس.
(٥) ١/ ٩٣ على شرط الشيخين.
(٦) في ب، ط: "أيس".
(٧) زيادة في (ط)، وليست في المستدرك.
(٨) في آ، ش، ع: "أكثر".
(٩) في آ، ط: "أَيِسُوا".

<<  <   >  >>