للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذكر بعضُ الشافعية في إحياء ليلتي العيدين أنَّه تحصُلُ فضيلة الإِحياء بمعظم الليل. قال: وقيل: تحصلُ بساعةٍ. وقد نقل الشافعيُّ في "الأم" عن جماعةٍ من خيار أهلِ المدينة ما يؤيدُه. ونقَلَ بعضُ أصحابهم عن ابن عباسٍ أن إحياءَها يحصُلُ بأن يُصلِّيَ العشاءَ في جماعةٍ، ويعزِمَ على أن يصلِّيَ الصبحَ في جماعةٍ. وقال مالك في "الموطأ" (١): بلغني أنَّ ابنَ المسيبِ قال: "مَن شَهِدَ العِشاءَ ليلةَ القدْرِ، يعني في جماعةٍ، فقد أخذَ بحظِّه منها". وكذا قال الشافعي في القديم: من شهِدَ العشاءَ والصبحَ ليلةَ القَدْرِ فقد أخَذَ بحظِّه منها.

وقد روي هذا من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "من صلَّى العشاءَ الآخِرَة في جماعةٍ في رمضانَ، فقد أدرَكَ ليلةَ القَدْرِ". خرَّجه أبو الشيخ الأصبهاني. ومن طريقه أبو مُوسى المديني. وذكر أنه رُوي من وجهٍ آخر عن أبي هريرة نحوه.

ويروى من حديثِ عليِّ بن أبي طالبٍ مرفوعًا. لكن إسناده ضعيفٌ جدًّا. ويُروى من حديث أبي جعفر محمد بن علي مرسلًا: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: مَن أتى عليه رمضانُ صحيحًا مسلمًا؛ صام نهارَه، وصلَّى وِردًا مِن ليله، وغَضَّ بَصَرَه، وحفِظَ فَرْجَه، ولسانَه، ويدَه، وحافظ على صلاته في الجماعة؛ وبكَّر إلى جمعةٍ (٢)؛ فقد صامَ الشهرَ، واستكملَ الأجْرَ، أدرك ليلَةَ القَدْر، وفاز بحائزة الرَّبِّ عزَّ وجلَّ. قال أبو جعفرٍ: جائزةٌ لا تُشبِهُ جوائزَ الأمراءِ. خرَّجَه ابنُ أبي الدنيا. ولو نذرَ قيامَ ليلة القَدْرِ لزمَه أن يقومَ من ليالي شهر رمضانَ ما يُتيقَّنُ به قيامُها. فمن قال من العلماءِ: إنَّها في جميع الشهر، يقول: يلزُمُه قيامُ جميع ليالي الشهر. ومن قال: هي في النصفِ الآخر من الشهر، قال: يلزمُهُ قيامُ ليالي النصف الأخير منه. ومن قال: هي في العشر الأواخر مِن الشهر، قال: يلزَمُهُ قيامُ ليالي العشر كلِّها، وهو قولُ أصحابنا. وإن كان نذرَهُ كذلك، وقد مَضَى بعضُ ليالي العشر؛ فإنْ قلْنا: إنَّها لا تنتقل في العشر، أجزأهُ


(١) الموطأ بلاغًا ١/ ٣٢١ في الاعتكاف: باب ما جاء في ليلة القدر، قال الزرقاني في "شرح الموطأ": قال ابن عبد البر: قول ابن المسيب لا يكون رأيًا ولا يؤخذ إلا توقيفًا، ومراسيله أصح المراسيل، وذكر الزرقاني لقول ابن المسيب شواهد بمعناه فانظرها هناك.
(٢) في آ: "جُمَعه".

<<  <   >  >>