للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخطاب كان يُصلِّي من الليل ما شاء اللهُ أن يُصلِّي، حتى إذا كان نِصْفُ الليل أيقَظَ أهلَه للصَّلاة، يقولُ لهم: الصَّلاةَ الصَّلاةَ، ويتلو هذه الآيةَ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (١) الآية.

كانت امرأة حبيب أبي محمدٍ (٢) تقولُ له بالليل: قد ذهَبَ الليلُ وبين أيدينا طريقٌ بعيدٌ وزادنا قليلٌ، وقوافلُ الصالحين قد سارت قدامنا، ونحن قد بقينا:

يا نائمًا باللَّيل (٣) كم ترقُدُ … قُمْ يا حبيبي قَد دَنَا المَوْعِدُ

وخُذْ مِن اللَّيل وأوقاتِهِ … وِرْدًا إذا ما هجَعَ الرُّقَّدُ

مَنْ نام حتَّى ينقضِي ليلُه … لم يبلغِ المنزِلَ أو يجهَدُ

[قُلْ لِذَوي الألبابِ أهلِ التُّقى … قَنْطَرَةُ العَرْضِ لكُم موعِدُ] (٤)

ومنها: أن (٥) النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يَشُدُّ المئزَرَ. واختلفوا في تفسيره؛ فمنهم من قال: هو كنايةٌ عن شِدَّة جدِّهِ واجتهادِه في العبادة، كما يقال: فلان يَشُدُّ وسَطَه ويسعَى في كذا. وهذا فيه نظرٌ؛ فإنَّها قالت: "جَدَّ وشَدَّ المئزَرَ"، فعطفَتْ "شَدَّ المئزرَ" على جدِّه. والصحيح أنَّ المراد اعتزالُه للنساء، وبذلك فسَّره السَّلَف والأئمةُ المتقدِّمون؛ منهم سفيان (٦) الثوري. وقد ورد ذلك صريحًا من حديث عائشَةَ وأنسٍ، وورد تفسيرُه بأنَّه لم يأوِ إلى فراشِهِ حتَّى ينسلخَ رمضانُ. وفي حديث أَنس: "وطوى فراشه، واعتزَلَ النساء". وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - غالبًا يعتكِفُ العشرَ الأواخِرَ، والمعتكِفُ ممنوعٌ من قربانِ النِّساء بالنَّصِّ والإِجماع، وقد قال طائفة من السَّلف في تفسير قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (٧): إنه طلبُ ليلة القدر. والمعنى في ذلك أنَّ الله تعالى لما أباح مباشَرَةَ النِّساء في ليالِي الصيام، إلى أن يتبيَّن الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسود، أمَرَ مَعَ ذلك بطلب ليلةِ القَدْرِ؛ لئلَّا يشتغلَ المسلمون في طول ليالي


(١) سورة طه الآية ١٣٢.
(٢) هو حبيب أبو محمد الفارسي، كان مجاب الدعوة، حضر مجلس الحسن البصري فتأثر بموعظته، فخرج عما كان يملك. (صفة الصفوة ٣/ ٣١٥ - ٣٢١).
(٣) في ب، ط: "يا نائم الليل".
(٤) هذا البيت لم يرد في آ، ش، ع.
(٥) في آ، ش، ع: "أنَّه - صلى الله عليه وسلم - ".
(٦) لفظ "سفيان" لم يرد في آ، ش، ع.
(٧) سورة البقرة الآية ١٨٧.

<<  <   >  >>