للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخرَّج الإِمام أحمدُ (١) من حديث علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يواصلُ إلى السَّحَر.

وخرَّجه الطبراني (٢) من حديث جابرٍ أيضًا. وخرَّج ابن جرير الطبري (٣) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يواصل إلى السَّحَر، ففعل ذلك بعضُ أصحابه، فنهاه، فقال: أنت تفعل ذلك. فقال: إنكم لستم مثلي، إنِّي أظلُّ عند ربِّي يُطعمني ويسقيني. وزعم ابنُ جرير أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يواصِلُ في صيامه إلَّا إلى السَّحَر خاصَّةً، وأنَّ ذلك يجوز لمن قوي عليه، ويُكْرَه لغيرِه. وأنكَر أن يكونَ استدامةُ الصِّيام في الليل كلِّه طاعةً عند أحدٍ من العلماءِ؛ قال: وإنما كان يُمسِكُ بعضُهم لمعنىً آخَرَ غيرِ الصِّيام؛ إمَّا ليكونَ أنشَطَ له على العبادة، أَو إيثارًا بطعامه على نفسِهِ، أو لخوفٍ مقلقٍ منَعَه طَعامَه، أو نحو ذلك. فمقتضَى كلامِه أن مَن واصَلَ ولم يُفطِر؛ ليكون أنشَطَ له على العبادةِ من غير أن يعتقدَ أن إمساك الليل قُربةٌ، أنه جائز وإن أمسَكَ تعبُّدًا (٤) بالمواصلة. فإن كان إلى السَّحَر وقوي عليه، لم يُكْرَه، وإلَّا كُرِهَ.

ولذلك قال أحمد وإسحاق: لا يُكْرَه الوِصالُ إلى السَّحَر.

وفي صحيح البخاري (٥) عن أبي سعيدٍ الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "لا تواصِلوا، فأيُّكم أرادَ أن يواصِلَ فلْيُواصِلْ إلى السَّحَرِ. قالوا: فإنَّك تُواصِلُ يا رسولَ الله؟ قال: إنِّي لسْتُ كهيئتكم، إني أبيتُ لي مُطعِمٌ يُطعمُني وساقٍ يَسقيني". وظاهرُ هذا يدلُّ على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يواصل الليلَ كلَّه، وقد يكون - صلى الله عليه وسلم - إنَّما فَعَلَ ذلك لأنَّه رآه أنشطَ له على الاجتهاد في ليالي العشر، ولم يكُنْ ذلك مضعِفًا له عن العَمل؛ فإنَّ الله كان يُطعمُهُ ويَسقيه. واختلف في معنى إطعامه؛ فقيل: إنه كان يؤتَى بطعامٍ من الجَنَّة يأكُلُه؛ وفي هذا نظر؛ فإنَّه لو كان كذلك لم يكن مواصِلًا، وقد


(١) مسند أحمد ١/ ٩١، ١٤١ وإسناده ضعيف لضعف عبد الأعلى بن عامر الثعلبي. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٣/ ١٥٨ وقال: "رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح".
(٢) ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٣/ ١٥٨ وقال: "رواه الطبراني في الأوسط وهو حديث حسن". وانظر المطالب العالية ١/ ٢٧٩.
(٣) انظر تفسير القرطبي ٢/ ٣٢٩؛ وتفسير ابن كثير ١/ ٢٢٢.
(٤) في آ: "قصدًا".
(٥) أخرجه البخاري رقم (١٩٦٣) و (١٩٦٧) في الصوم: باب الوصال، وباب الوصال إلى السحر. وأبو داود رقم (٢٣٦١) في الصوم: باب في الوصال.

<<  <   >  >>