للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقرَّهُم على قولهم له: إنَّك تواصِلُ. لكن روى عبدُ الرَّزَّاق (١) في كتابه عن ابن جريجٍ، أخبرني عمرو بن دينار: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن الوِصال، قالوا: فإنَّك تواصِلُ؟ قال: وما يدريكم! لَعَلَّ رَبِّي يُطعمني ويَسقيني. وهذا مرسل.

وفي رواية لمسلم (٢)، من حديث أنس: "إني أظلُّ يُطعمني ربِّي ويسقيني". وإنما يقال: ظَلَّ يفعَلُ كذا، إذا كان نهارًا، ولو كان أَكْلًا حقيقيًا لكان منافيًا للصِّيام. والصحيح أنَّه إشارةٌ إلى ما كان الله تعالى يفتحَهُ عليه في صِيامه وخلوته بربِّهِ، لمناجاته وذِكْرِه من موادّ أنسِهِ ونفَحَاتِ قُدْسِهِ، فكان يَرِدُ بذلك على قلبه من المعارف الإِلهية والمنح الربَّانية ما يغذِّيه ويُغنِيه عن الطَّعام والشراب. كما قيل:

لها أحاديثُ من ذكراك يشغِلُها … عن الطعام ويُلهيها عن الزَّادِ

لها بوجهك نورٌ تستضِيءُ به … وَقْتَ المسِير وفي أعقابِها حادِي

إذا شَكَتْ مِن كَلَالِ السَّيْر أوعَدَها … روحُ القُدُومِ فتحيا عند ميعادِ

الذِّكْرُ قُوتُ قلوبِ العارفين، يغنيهم عن الطعام والشراب، كما قيل:

أنتَ رِيِّي إذا ظمئْتُ إلى الما … ءِ وقُوتي إذا أردْتُ الطَّعاما

لمَّا جَاعَ المجتهدون شبِعوا مِن طعام المناجاة. فأفٍّ لمن بَاعَ لذَّةَ المناجاة بفضْل لُقمَةٍ.

يا مَن لِحَشا المحِبِّ بالشَّوق حَشَا … ذا سِرُّ سُراك في الدُّجا كيفَ فَشَا

هذا المولى إلى المماليك مَشَا … لا كان عيشًا أوْرَثَ القلبَ غِشّا

ويتأكَّدُ تأخيرُ الفطر في الليالي التي تُرْجَى فيها ليلةُ القَدْرِ. قال زِرّ بن (٣) حُبَيْش في ليلة سبعٍ وعشرين: مَن استطاع منكم أن يؤخِّر فِطْرَه فلْيَفْعَلْ وليفطِرْ على ضَيَاحِ (٤) لبنٍ.

ورواه بعضُهم عن زِرٍّ، عن أبيّ بن كعبٍ مرفوعًا، ولا يصح. وضِياحُ اللبن،


(١) مصنف عبد الرزاق ٤/ ٢٦٨ رقم (٧٧٥٦) في الصيام: باب الوصال.
(٢) رقم (١١٠٤) (٦٠) في الصوم: باب النهي عن الوصال في الصوم.
(٣) في ط: "ذر"، وهو تصحيف.
(٤) وفي الحديث: "آخِرُ شَرْبَةٍ يشربها عمَّار ضَيَاحُ لبنٍ". غريب الحديث لابن الجوزي ٢/ ٢٢.

<<  <   >  >>