للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يا مَنْ ضَاعَ عُمُرُه في لا شيء، اسْتَدرِكْ ما فاتَكَ في ليلة القَدْرِ؛ فإنَّها تحسَبُ بالعُمرِ.

وليلة وَصْلٍ باتَ مُنْجِزُ وَعْدِهِ … سَمِيري فيها بعدَ طولِ مطالِ

شفيتُ بها قلبًا أُطِيلَ عليلُه (١) … زمانًا فكانت ليلةً بليالي

قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (٢). [واختُلِفَ في ليلة القدر والحكمة في نزول الملائكة في هذه الليلة، أن الملوك والسادات لا يحبون أن يدخل دارهم أحد حتى يزينون دارهم بالفرش والبسط ويزينوا عبيدهم بالثياب والأسلحة، فإذا كان ليلة القدر أمر الربّ تبارك وتعالى الملائكة بالنزول إلى الأرض؛ لأنَّ العِبادَ زيَّنوا أنفسَهم بالطاعات؛ بالصَّوم والصَّلاةُ في ليالي رمضان، ومساجدَهم بالقنادِيلِ والمصَّابيحِ، فيقول الربُّ تعالى: أنتم طعنتم في بني آدم وقلتم {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} (٣)، الآية، فقلْتُ لكم: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، اذهبوا إليهم في هذه الليلة حتى تروهم قائمين ساجدين راكعين لتعلموا أنِّي اخترتهم على علم على العالمين] (٤).

قال مالك: بلغني أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أُرِي أَعْمَارَ النَّاس قبلَه، أو ما شاء اللهُ من ذلك، فكأنَّه تقاصَرَ أعْمَارَ أُمَّتِه ألَّا يبلُغُوا مِن العَمَل الذي بلَغَ غيرُهُم في طُول العُمُر، فأعطاهُ اللهُ ليلَةَ القَدْرِ خيرًا (٥) مِن ألفِ شَهْرٍ (٦). ورُوي عن مجاهدٍ، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذَكَرَ رجلًا مِن بني إسرائيلَ لبِسَ السَّلاحِ ألفَ شهرٍ، فعجِبَ المسلمون من ذلك؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى هذه السورة "ليلةُ القَدْرِ خيْرٌ مِن أَلْف شَهْرٍ" الذي لبس فيها ذلك الرجل (٧) السِّلاحَ في سبيل الله ألفَ شهرٍ. وقال النَّخعِيُّ: العملُ فيها خيرٌ مِن العَمَلِ في ألف شهر.


(١) في ب، ط: "غليلُه".
(٢) سورة القدر الآيات ١ - ٣.
(٣) سورة البقرة الآية ٣٠.
(٤) ما بين قوسين زيادة في المطبوع لم ترد في باقي. النسخ، ولعلها من زيادات ناسخ المصرية.
(٥) في آ، ش: "خيرٌ".
(٦) الموطأ ١/ ٣٢١ في الاعتكاف: باب ما جاء في ليلة القدر. قال ابن عبد البر: هذا أحد الأحاديث الأربعة التي لا توجد في غير الموطأ، لا مسندًا ولا مرسلًا، وليس مها حديث منكر، ولا ما يدفعه أصل.
(٧) في هامش المطبوع: "قيل: إنه يوشع بن نون، ذكره صاحب روضة العلماء".

<<  <   >  >>