للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي "الصحيحين" (١) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "مَنْ قامَ ليلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ مِن ذَنْبِه". وفي "المسند" (٢) عن عُبَادَةَ بن الصَّامت، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "من قامَها ابتغاءَها، ثم وقعَتْ له، غُفِرَ له ما تقدَّم مِن ذَنْبِه وما تأخر". وفي "المسند" (٣) و"النسائي" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال في شهر رمضانَ: "فيه ليلَة خَيْرٌ مِن أَلْفِ شهرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَها فقد حُرِمَ". قال جُوَيْبر (٤): قلْتُ للضحَّاك: أرأيتَ النفسَاءَ والحائضَ والمسافرَ والنَّائمَ لهم في ليلةِ القَدْرِ نصيبٌ؟ قال: نعم، كُلُّ مَن تقبَّلَ الله عَمَلَه سيعطيه نصيبَه مِن ليلة القَدْر.

إخواني! المعوَّلُ على القَبُولِ لا على الاجتهاد، والاعتبارُ ببرِّ القلوبِ لا بعمَلِ الأبدانِ. رُبٌّ قائمٍ حظُّه مِن قيامه السَّهَرُ؛ كم من قائمٍ محرومٍ، ومن نائمٍ مرحوم؛ هذا نام وقلبُه ذاكِرٌ، وهذا قامَ وقلبُه فاجر.

إنَّ المقاديرَ إذا ساعَدَتْ … أَلْحَقَتِ، النَّائمَ بالقَائمِ

لكنَّ العَبْدَ مأمورٌ بالسَّعي في اكتِساب الخيرات والاجتهاد في الأعمال الصالحات؛ وكُلٌّ مَيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له. أمَّا أهلُ الَسعادة فييسَّرُون لعمَلِ أهلِ السعادة، وأمَّا أهلُ الشَّقاوةِ فييسَّرون لعمَل أهلِ الشقاوة. {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (٥). فالمبادرةَ المبادرةَ إلى اغتنام العَمَلِ فيما بقي من الشهر، فعسَى أن يُستدركَ به ما فات من ضياع العُمُر.

تولَّى العُمْرُ في سَهْوٍ … وفي لَهْوٍ وفي خُسْرِ


(١) أخرجه البخاري ٤/ ٢٥٠ في صلاة التراويح: باب فضل من قام رمضان، وباب فضل ليلة القدر وغيره. ومسلم رقم (٧٥٩) في صلاة المسافرين: باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح.
(٢) مسند أحمد ٥/ ٣١٨.
(٣) مسند أحمد ٢/ ٢٣٠، والنسائي ٤/ ١٢٩ في فضل شهر رمضان: باب ذكر الاختلاف على معمر فيه، بإسناد صحيح. وذكره الألباني في "صحيح سنن النسائي" ٢/ ٤٥٥ - ٤٥٦.
(٤) هو جُوَيبر بن سعيد الأزدي، أبو القاسم البلخي، نزيل الكوفة، ضعيف جدًّا، روى عن أنس بن مالك، وجوَّاب التيمي، والضحاك بن مزاحم، وجل روايته عنه.
(٥) سورة الليل الآيات ٥ - ١٠.

<<  <   >  >>