للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دَخَلَ العشْرُ اجتهدَ، ثم بعدَ ذلك أَمَرَ بطلبها في السَّبْع الأواخر.

وفي المسند (١) وكتاب النسائي عن أبي ذرٍّ، قال: كنتُ أسألُ الناس عنها، يعني ليلَةَ القَدْر، فقلت: يا رسولَ الله، أخبِرني عن ليلة القَدْرِ، أفي رمضان هي، أو في غيره؟ قال: بَل (٢) هي في رمضانَ. قلت: تكونُ مع الأنبياء ما كانوا، فإذا قبِضُوا رُفِعَتْ، أم هي إلى يوم القيامة؟ قال: بل هي إلى يوم القيامة. قلتُ: في أيٍّ رمضان هي؟ قال: التَمِسُوها في العشْرِ الأوَّل والعَشْرِ الأواخر. قلْت: في أي العشرين هي؟ قال: في العشر الأواخر، لا تسألني عن شيءٍ بعدها. ثم حدَّث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم اهْتَبَلْتُ (٣) غَفْلَتَه، فقلْتُ: يا رسولَ الله، أقسمْتُ عليك بحقِّي لَمَا أخبرتني، في أيِّ العَشْرِ هي؟ فغضِبَ عليَّ غضَبًا لم يغضَبْ مثلَه منذُ صَحِبْتُه، وقال: التمِسُوها في السَّبْع الأواخر؛ لا تسألني عن شيءٍ بعدَها. وخرَّجه ابن حِبَّان (٤) في "صحيحه" والحاكم. وفي رواية لهما: أنَّه قال: "ألم أنْهَكَ أن تسألني عنها؟ إن الله لو أذِنَ لي أن أخبِرَكم بها لأخبرتكم، لا آمَن أن تكونَ في السَّبْع الأواخر". ففي هذه الرواية أن بيان النبي - صلى الله عليه وسلم - لليلة القدر انتهى إلى أنَّها في السَّبْع الأواخر، ولم يزِدْ على ذلك شيئًا. وهذا ممَّا يَسْتَدِلُّ به من رَجَّح ليلةَ ثلاثٍ وعشرين وخمسٍ وعشرين على ليلةِ إحدى وعشرين، فإنَّ ليلة إحدى وعشرين ليسَتْ من السَّبْع الأواخر بلا تردُّدٍ. وقد رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوهٍ أُخَرَ أنَّه بيَّن أنَّها ليلَةُ سَبْع وعشرين، كما سيأتي ان شاء الله تعالى.

واختُلِفَ في أوَّل السَّبْع الأواخِر؛ فمنهم مَن قال: أوَّلُ السَّبْعِ ليلة ثلاثٍ وعشرين، على حساب نُقصانِ الشَّهرِ دون تمامِهِ؛ لأنه المتيقَّنُ. ورُوي هذا عن ابن عباسٍ، وسيأتي كلامه فيما بعدُ إن شاء الله تعالى. وفي "صحيح البخاري" (٥) عن بلال رضي الله عنه، قال: إنها أَوَّل السَّبْع من العشر الأواخر.


(١) مسند أحمد ٥/ ١٧١.
(٢) في ب، ط: "بلى".
(٣) أي تحينتها واغتنمتها.
(٤) أخرجه ابن حبان في "صحيحه" ٥/ ٢٧٤ والحاكم في "المستدرك" ١/ ٤٣٧ على شرط مسلم ولم يخرجاه.
(٥) أخرجه البخاري ٨/ ١٥٣ رقم (٤٤٧٠) في المغازي: باب بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد في مرضه الذي توفي فيه.

<<  <   >  >>