للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخرَّجه ابنُ أبي شيبة (١)، وعنده قال: ليلة ثلاثٍ وعشرين، وهذا قولُ مالكٍ، (٢) قال: أَرَى - والله أعلم - أن التاسِعةَ ليلةُ إحدى وعشرين، والسابعةَ ليلةُ ثلاثٍ وعشرين، والخامسةَ ليلَةُ خمسٍ وعشرين. وتأوَّله عبدُ الملك بنُ حَبيبٍ على أنَّه إنما يُحسَبُ كذلك إذا كان الشهر ناقصًا، وليس هذا بشيء؛ فإنَّه إنَّما أمر بالاجتهاد في هذه الليالي على هذا الحساب، وهذا لا يمكن أن يكونَ مراعىً بنقصان الشهرِ في آخره.

وكان أيُّوب السَّختياني يغتسِلُ [كُلَّ] (٣) ليلَةِ ثلاثٍ وعشرين، وَيمَسُّ طِيبًا، وليلَةَ أربعٍ وعشرين، ويقولُ: ليلَةُ ثلاثٍ وعشرين ليلَةُ أهلِ المدينة، وليلَةُ أربعٍ وعشرين ليلتنا. يعني أهلَ البصرة.

وكذلك كان ثابتٌ وحُمَيْدٌ يفعلان. وكانت طائفة تجتهدُ ليلَةَ أربعٍ وعشرين، رُوي عن أنسٍ والحسن، وروي عنه، قال: رَقَبْتُ الشَّمسَ عشرين سنة، ليلَة أربع وعشرين، فكانت تطلعُ لا شُعاعَ لها. ورُوي عن ابن عباس ذكره (٤) البخاري عنه. وقيل: إن المحفوظ عنه أنَّها ليلةُ ثلاثٍ وعشرين، كما سبق. وقد تقدَّم حديثُ "إنزال القرآن في ليلةِ أربعٍ وعشرين". وكذلك أبو سعيد الخدريُّ، وأبو ذَرٍّ، حسبا الشهرَ تامًّا، فيكون عندهما أوَّلُ السَّبْع الأواخر ليلَةَ أربع وعشرين. وممَّن اختار هذا القولَ ابنُ عبد البرّ، واستدَلَّ بأنَّ الأصل تمامُ الشهر، ولهذا أمَرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بإكماله إذا غُمَّ، مع احتمال نُقصانِه (٥). وكذلك رجَّحَه بعضُ أصحابنا. وقد تقدَّم من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا كان ليلة أربع وعشرين لم يذُقْ غَمْضًا، وإسنادُهُ ضعيفٌ. وقد رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدُلُّ على أن أوَّلَ السَّبْع البواقي ليلَةُ ثلاثٍ وعشرين. ففي مسند الإِمام أحمد (٦)، عن جابر: أن عبد الله بن أُنَيْسٍ سألَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ليلة القَدْر، وقد خَلَتْ اثنتان وعشرون ليلةً، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: التمِسُوها في هذه السَّبْع الأواخر التي بقين من الشهر.


(١) مصنف ابن أبي شيبة ٣/ ٧٥ في الصيام: باب ما قالوا في ليلة القدر واختلافهم فيها.
(٢) من هنا وحتى قوله: "ومسلم من حديث أبي سعيد ص ٣٥٦ س ١٦" تأخر في ش.
(٣) زيادة من ب، ع.
(٤) قوله: "ذكره البخارى عنه، وقيل: إنَّ" لم يرد في (آ).
(٥) في آ، ع: "نقصه".
(٦) ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٣/ ١٧٥ وقال: "رواه أحمد وهو في الأصل كما ترى، وإسناده حسن".

<<  <   >  >>