للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفيه (١) أيضًا عن عبد الله بن أُنَيْس أنهم سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ليلة القَدْرِ، وذلك مساء ليلَةِ ثلاثٍ وعشرين، فقال: التمِسُوها هذه الليلة. فقال رجلُ مِن القوم: فهي إذن يا رسولَ الله أُولى ثمانٍ؟ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إنَّها ليسَتْ بأُولَى ثمانٍ، ولكنها أُولَى سبعٍ؛ إنَّ الشَّهْرَ لا يتِمُّ. وفيه (٢) أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "كم مَضَى من الشهر؟ قلْنا: مَضَتْ ثنتان وعشرون، وبقي ثمانٍ. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: لا، بل مضَتْ ثنتان وعشرون، وبقي سَبْعٌ، اطلبُوها الليلَةَ. وقد يُحمَلُ هذا على شهرٍ خاصٍّ اطَّلَعَ النبُّي - صلى الله عليه وسلم - على نقصانِهِ، وهو بعيدٌ. ويدُلُّ على خلافِهِ أنَّه رُوي في تمام حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "الشهرُ هكذا وهكذا وهكذا، ثم خنَسَ إبهامَه في الثالثة". فهذا يدُلُّ على أنَّه تشريعٌ عام، وأنَّه حسبَ الشَّهْرَ على تقدير نُقصانِه أبدًا؛ لأنَّه المتيقَّنُ. كما ذهَبَ إليه أيُّوب ومالك وغيرُهما، وعلى قولهما تكون ليلة سابعةٍ تبقى ليلةَ ثلاثٍ وعشرين، وليلةُ خامسةٍ تبقى ليلةً خمسٍ وعشرين، وليلةُ تاسعةٍ تبقى ليلةً إحدى وعشرين.

وقد رُوي عن النُّعمان بن بشير رضي الله عنه أنَّه أنكر أن تُحسَبَ ليلةُ القدر بما مَضَى من الشهر، وأخبَرَ أن الصَّحابة يحسِبُونها بما بقي منه، وهذا الاحتمالُ إنَّما يكون في مثل قولِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "التمِسُوها في التاسعةِ، والسابعةِ، والخامسة". وقد خرَّجه "البخاري" (٣) من حديث عُبَادَةَ رضي الله عنه، ومسلم (٤) من حديث أبي سعيدٍ؛ فإنَّه يحتمل أن يُرادَ به التاسعة والسابعة والخامسة، مما (٥) يبقى ومما يَمضِي. فأمَّا حديثُ ابن عبَّاس وأبي بَكْرَةَ وما في معناهما؛ فإنَّها مقيدَةٌ بالباقي من الشهر، فلا يحتمل أن


(١) مسند أحمد ٣/ ٤٩٥.
(٢) مسند أحمد ٢/ ٢٥١ وإسناده صحيح. وأخرجه ابن ماجه رقم (١٦٥٦) في الصيام: باب ما جاء في "الشهر تسع وعشرون". وفي زوائد البوصيري: إسناده صحيح على شرط مسلم. وذكره الألباني في "صحيح ابن ماجه" ١/ ٢٧٧.
(٣) ٤/ ٢٦٧ و ٢٦٨ رقم (٢٠٢٣) في صلاة التراويح: باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس، وفي الإيمان: باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، وفي الأدب: باب ما ينهى من السباب واللعن.
(٤) رقم (١١٦٧) في الصيام: باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها.
(٥) في ب، ط: "بما يبقى وبما يمضي"، وفي ش: "فيما … ".

<<  <   >  >>