للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُراد به الماضي، وحينئذٍ يتوجَّه الاختلافُ السَّابقُ في أنَّه: هل يُحسب على تقدير تمام الشهر أو نقصانه؟ وحديثُ ابن عبَّاس قد رُوِي بالشكِّ فيما مَضَى أو يبقَى. وقد خرَّجه البخاري بالوجهين.

وحديث أبي ذرٍّ في قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - بهم أَفرادَ العشر الأواخر قد خرَّجه أبو داود الطيالسي بلفظٍ صريح أنَّه قام بهم أشْفَاعَ العشر الأواخِرِ، وحسَبَها أوتارًا بالنسبة إلى ما يبقى من الشهر، وقدَّره تامًّا، وجعَلَ الليلةَ التي قامها حتى خشوا أن يفوتَهُم الفلاحُ ليلَةَ ثمانٍ وعشرين، وهي الثالثة مما يبقَى. وقد قيل: إن ذلك من تصرُّف بعضِ الرُّواةِ بما فهمه من المعنى، والله أعلم. وعلى قياس من حَسَبَ الليالي الباقية من الشهر، على تقدير نقصان الشهر ينبغي أن يكون عندَه أوَّلُ العشر الأواخِرِ ليلَةَ العشرين؛ لاحتمال أن يكون الشهرُ ناقصًا، فلا يتحقَّقُ كونُها عَشْرَ ليالٍ، بدون إدخال ليلةِ العشرين فيها.

وقد يُقال: بل العَشْرُ الأواخر عبارةٌ عمَّا بعدَ انقضاءِ العشرين الماضية من الشَّهر، وسواءٌ كانت تامَّةً أو ناقِصَةً، فهي المعبَّر عنها بالعشر الأواخر، وقيامها هو قيام العشر الأواخر. وهذا كما يقال: صامَ (١) عشر ذي الحجة، وإنما يصام منه تسعة أيامٍ؛ ولهذا كان ابنُ سيرين يكرَه أن يقالَ: صام عشر ذي الحجة، وقال: إنَّما يقال: صام التسع. ومن لم يكرهْهُ، وهم الجمهور، فقد يقولون: الصِّيامُ المضافُ إلى العشر هو صيامُ ما يمكن منه، وهو ما عدا يوم النحر. ويطلق على ذلك: العشر، لأنَّه أكثَرُ العَشْرِ، والله أعلم.

وقد اختلف الناس في ليلة القَدْر اختلافًا كثيرًا، فحُكِي عن بعضهم أنَّها رُفِعَتْ؛ وحديثُ أبي ذَرٍّ يَرُدُّ ذلك. ورُوي عن محمد بن الحنفيَّة أنَّها في كُلِّ سبْع سنين مرَّةً، وفي إسناده ضعفٌ. وعن بعضهم أنَّها في كُلِّ السَّنة، حُكِي عن ابن مسعودٍ وطائفةٍ من الكوفيين، ورُوي بهن أبي حنيفة. وقال الجمهور: هي في رمضان كُلَّ سنة، ثم منهم من قال: هي في الشَّهْر كلَّه. وحُكِي عن بعض المتقدِّمين أنَّها أوَّلُ ليلةٍ منه. وقالت


(١) في آ: "صيام".

<<  <   >  >>