للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بيدي، فذَهَبَ بي إلى النخل، فإذا النَّخْلُ واضِعٌ سَعَفَه في الأرض، فقال: لسنا نَرَى هذا في السَّنة كُلِّها إلَّا في هذه الليلة. وذكر أبو موسى بأسانِيدَ لهُ أنَّ رجُلًا مُقْعَدًا (١) دَعَا الله ليلَةَ سبْعٍ وعشرين فأطلَقَهُ. وعن امرأة مقعَدَةٍ كذلك. وعن رجُلٍ بالبصرة كان أخرَسَ ثلاثين سنةٍ، فدَعَا الله ليلَةَ سَبْعٍ وعشرين، فأُطلِقَ لسانُه فتكلَّمَ.

وذكر الوزير أبو المظفَّرِ بنُ هبيرة (٢) أنَّه رأَى ليلةَ سبْعٍ وعشرين - وكانت ليلَةَ جُمُعَةٍ - بابًا في السَّماء مفتوحًا، شامِيَّ الكعبة، قال: فظننْتُه حيال الحجرة النَّبَوِيَّة المقدَّسة، قال: ولم يزل كذلك إلى أن التفتُّ إلى المشرقِ لأنظُرَ طُلُوعَ الفَجْر، ثم التفَتُّ إليه فوجدْتُه قد غَابَ. قال: وإن وَقَعَ في ليلةٍ من أوتارِ العَشْرِ ليلَةُ جُمُعَةٍ، فهي أرجَى مِن غيرها. واعْلم أن جميعَ هذه العلامات لا توجِبُ القطْعَ بليلَةِ القَدْر.

وقد رَوَى سَلَمةُ بن شَبيب (٣) في كتاب "فضائل رمضان": حدثنا إبراهيم بن الحكم، حدثني أبي، قال: حدثني فَرْقدٌ: أن ناسًا من الصحابة كانوا في المسجد فسمعوا كلامًا من السَّماء، ورأوا نورًا من السَّماء، وبابًا من السَّماء، وذلك في شهر رمضانَ، فأخبروا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بما رأوا، فزُعِمَ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أمَّا النُّورُ فنُورُ رَبِّ العِزَّة تعالى، وأمَّا البابُ فبابُ السَّماء، والكلامُ كلامُ الأنبياء، فكُلُّ شَهْرِ رمضانَ على هذه الحال، ولكنْ هذه ليلة كُشِفَ غِطاؤها. وهذا مرسَلٌ ضعيف.

وأما العملُ في ليلة القَدْر فقد ثبَتَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَن قام ليلةَ القَدْر إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّم من ذنبه" (٤). وقيامُها إنَّما هو إحياؤها بالتهجُّد فيها والصَّلاةِ، وقد أمَرَ عائشة بالدُّعاء فيها أيضًا.

قال سفيان الثوريُّ: الدُّعاء في تلك الليلة أحبُّ إليَّ من الصَّلاة. قال: وإذا كان


(١) المُقْعَد: الأعرج.
(٢) هو يحيى بن هبيرة بن محمد بن هبيرة الذهلي الشيباني، أبو المظفر، من كبار الوزراء في الدولة العباسية، عالم بالفقه والأدب، ونعت بالوزير العالم العادل، وله عدة مؤلفات. مات سنة ٥٦٠ هـ. (الأعلام للزركلي ٨/ ١٧٥).
(٣) سلمة بن شبيب النيسابوري، أبو عبد الرحمن، من كبار رجال الحديث، حدث عنه مسلم وأرباب السُّنن، رحل إلى مصر، وتوفي بمكة سنة ٢٤٧ هـ.
(٤) أخرجه الشيخان، وقد سبق تخريجه.

<<  <   >  >>