للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقرأ وهو يدعو ويرغبُ إلى الله في الدُّعاء والمسألة لعله يوافِقُ. انتهى. ومرادُه أن كثرَةَ الدُّعاءِ أفضَلُ من الصَّلاة التي لا يكثُر فيها الدُّعاء، وإن قرأ ودَعَا كان حسنًا. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتهجَّدُ في ليالي رمضانَ، ويقرأ قراءةً مرتَّلةً، لا يمرُّ بآيةٍ فيها رحمةٌ إلا سألَ، ولا بآيةٍ فيها عذابٌ إلَّا تعوَّذَ، فيجمَعُ بينَ الصَّلاةِ والقراءةِ والدُّعاء والتفكُّر. وهذا أفضَلُ الأعمال وأكمَلُها في ليالي العَشْرِ وغيرِها، والله أعلم. وقد قال الشعبيُّ في ليلة القدر: ليلُها كنهارِها.

وقال الشافعي في "القديم": أَستَحِبُّ أن يكونَ اجتهادُهُ في نهارها كاجتهادِهِ في ليلها. وهذا يقتضي استحباب الاجتهادِ في جميع زمان العَشْر الأواخر، ليلِه ونهارِه، والله أعلم.

المحبُّون تطولُ عليهم الليالي فيعدُّونها عَدًّا لانتِظار ليالي العَشْرِ في كُلِّ عامٍ، فإذا ظفِرُوا بها نالوا مطلوَبهُم وخدمُوا محبوبَهم.

قد مَزَّقَ الحبُّ قميصَ الصَّبْرِ … وقد غَدَوْتُ حائرًا في أَمْرِي

آهٍ على تلك الليالي الغُرِّ … ما كُنَّ إلَّا كليالي القَدْرِ

إن عُدْنَ لي مِن بَعْدِ هذا الهَجْرِ … وفيْتُ للهِ بِكل نَذْرِ

*وقام بالحمدِ خطيبُ شُكْري *

رياحُ هذه الأسحار تحمِلُ أنينَ المُذْنِبين، وأنفاسَ المحبِّين، وقصَصَ التائبين، ثم تعودُ بِرَدِّ الجواب بلا كتاب.

أعلمتُمُ أن النَّسِيمَ إذا سَرَى … حَمَلَ الحديثَ إلى الحبيب كما جَرَى

جَهِلَ العذول (١) بأنَّني في حُبِّهم … سَهَرُ الدُّجَى عندي ألَذُّ مِن الكَرَى

فإذا وَرَدَ بريدُ بَرْدِ السَّحَر يحمِلُ ملطَّفاتِ الألطافِ، لم يفهمْها غيرُ مَن كتِبَتْ إليه (٢).


(١) في ب، ط: "الحبيب".
(٢) في هامش ع: "ولا يعقلها إلا كل مشتاق".

<<  <   >  >>