للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "مَن قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّم مِن ذَنْبه".

وللنسائي في روايةٍ (١): "مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم مِن ذَنْبِه وما تأخَّر".

وقَد سَبَقَ في قيام ليلةِ القَدْر مثلُ ذلك مِن رواية عُبَادَةَ بن الصَّامت. والتكفيرُ بصيامه قد وَرَدَ مشروطًا بالتحفُّظِ مِمَّا ينبغي أن يُتحفَّظَ منه. ففي "المسند" (٢) و"صحيح ابن حِبَّان" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "مَن صام رمضانَ فعرَفَ حُدُودَه وتحفَّظ مِمَّا ينبغي له أن يتحفَّظَ منه، كفَّر ذلك ما قبلَه". والجمهور على أن ذلك إنَّما يكفَّر الصغائرَ، ويدُلُّ عليه ما خرَّجه مسلم (٣) من حديثِ أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "الصَّلوات الخمسُ، والجُمُعَةُ إلى الجُمُعةِ، ورَمَضانُ إلى رَمَضَانَ، مكفِّرات لِما بينهنَّ، ما اجتُنِبَتِ الكبائر". وفي تأويله قولان:

أحدُهما: أن تكفِيرَ هذه الأعمال مشروطٌ باجتناب الكبائر، فمن لم يجتنِبِ الكبائرَ لم تكفّر له هذه الأعمالُ كبيرةً ولا صغيرةً.

والثاني: أن المراد أن هذه الفرائض تكفِّرُ الصغائرَ خاصَّةً بكُلِّ حالٍ، وسواء اجتُنِبت الكبائرُ أو لم تُجتَنَبْ، وأنَّها لا تكفِّر الكبائرَ بحالٍ.

وقد قال ابنُ المنذر في قيام ليلَةِ القَدْر: إنَّه يُرْجَى به مغفرةُ الذنوبِ؛ كبائرِها وصغائرِها. وقال غيرُه مثلَ ذلك في الصَّوم أيضًا. والجمهور على أن الكبائرَ لا بُدَّ لها من توبةٍ نَصُوحٍ. وهذه المسائل قد ذكرناها مستوفاةً في مواضِعَ أُخَرَ.

فدَلَّ حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه على أن هذه الأسبابَ الثلاثَة كُلُّ واحدٍ منها


(١) النسائي ٤/ ١٥٥ - ١٥٧ في الصوم: باب ثواب من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا.
(٢) مسند أحمد ٣/ ٥٥، وصحيح ابن حبان (٨٧٩) موارد، والترغيب والترهيب ٢/ ٩١.
(٣) رقم (٢٣٣) في الطهارة: باب الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن. وروى الأول منه الترمذي رقم (٢١٤) في الصلاة: باب ما جاء في فضل الصلوات الخمس.

<<  <   >  >>