للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مكفِّرٌ لِما سَلَفَ من الذُّنوبِ، وهي صيامُ رمضانَ، وقيامُهُ، وقيامُ ليلَةِ القَدْر. فقيامُ ليلَةِ القَدْر بمجردِهِ يكفِّر الذنوبَ لمن وَقَعَتْ له، كما في حديث عُبَادَةَ بن الصَّامت، وقد سَبَقَ ذكره. وسواءٌ كانت في أوَّل العَشْر أو أوْسَطه أو آخره، وسواءٌ شَعَرَ بها أو لم يَشْعُر. ولا يتأخَّرُ تكفيرُ الذنوب بها إلى انقضاءِ الشَّهْرِ.

وإمَّا صيامُ رمضانَ وقيامُه، فيتوقَّفُ التكفيرُ بهما على تمام الشهر، فإذا تمَّ الشَّهْرُ فقد كَمُلَ للمؤمِنِ (١) صيامُ رَمَضَانَ وقيامُه، فيترتَّبُ له على ذلك مغفِرةُ ما تقدَّم من ذَنْبِه بتمام السَّببين، وهما صيامُ رمضان وقيامُه. وقد يقال: إنه يُغفر لهم عند استكمال القيام في آخر ليلةٍ من رمضان، بقيام رمضان قبلَ تمامِ نهارِها، وتتأخَّر المغفرة بالصيام إلى إكمال النهار بالصَّوم، فيغفَرُ لهَم بالصوم في ليلة الفِطْر. ويدلُّ على ذلك ما خرَّجه الإِمام أحمد (٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُعْطِيَتْ أمتي خَمسَ خِصالٍ في رمضانَ لم يُعْطَها أمَّةٌ غيرُهم: خُلُوفُ فمِ الصَّائمِ أطيَبُ عندَ اللهِ مِن ريح المِسْكِ، وتَستغفِرُ لهم الملائكة حتى يُفْطِروا، ويُزَيِّنُ الله كُلَّ يومٍ جنَّته، ويقولُ: يوشِكُ عبادِي أن يُلقوا (٣) عنهم المؤونة والأذَى ويَصيروا إليك، ويصفَّدُ فيه مَرَدَةُ الشياطين؛ فلا يخلُصُون فيه إلى ما كانوا يخلُصُون إليه في غيره، ويُغفر لهم في آخر ليلةٍ فيه، فقيلَ له: يا رسولَ اللهِ، أهِيَ ليلَةُ القَدْرِ؟ قال: لا، ولكن العامِل إنما يوفَّى أجْرَه إذا قَضَى عَمَلَه".

وقد رُوِي أن الصَّائمين يَرجعون يومَ الفِطْرِ مغفورًا لهم، وأنَّ يومَ الفِطر يُسمَّى يومَ الجوائز؛ وفيه أحاديث ضعيفة. وقال الزُّهريّ: إذا كان يومُ الفِطْر خَرَجَ النَّاسُ إلى الجَبَّان (٤) اطَّلَع الله عليهم، فقال: عبادِي! لي صمْتُمْ، ولي قمتُمْ، ارْجِعُوا مغفورًا لكم. قال مورِّق العِجْليُّ لبعض إخوانه في المصَلَّى يومَ الفِطْر: يَرجعُ هذا اليوم قومٌ كما


(١) في ع: "للمؤمنين".
(٢) مسند أحمد ٢/ ٢٩٢، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٣/ ١٤٠ وقال: رواه أحمد والبزار، وفيه هشام بن زياد أبو المقدام، وهو ضعيف. وانظر المطالب العالية (٩٣٢) ومشكل الآثار ٤/ ١٤٢.
(٣) في ط: "يكفوا".
(٤) في ب، ط: "الجبار". والجَبَار: فناء الجَبَّان. والجَبَّان بمعنى الجَبَّانة، ثبوت الهاء أكثر من حذفها، وهي المصلَّى في الصحراء، وربَّما أطلقت على المقبرة؛ لأن المصلَّى غالبًا تكون في المقبرة. (اللسان، والمصباح المنير: جبر، جبن).

<<  <   >  >>