للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابنُ دينار (١): الخوفُ على العمل أن لا يُتَقَبَّلَ أشَدُّ مِن العَمَل. وقال عطاء السَّليمي (٢): الحذرُ: الاتقاءُ على العمل أن لا يكونَ لله. وقال عبد العزيز بن أبي دَوَّاد (٣): أدركتُهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فَعَلُوه وَقَعَ عليهم الهمُّ، أيقبَلُ (٤) منهم أم لا.

قال بعضُ السَّلف: كانوا يدعُون الله ستَّةَ أشهرٍ أن يُبلِّغَهم شَهْرَ رمضان، ثم يدعون الله ستَّةَ أشْهُرٍ أن يتقبَّلَهُ منهم.

خرَجَ عمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله في يوم عيدِ فِطْرٍ، فقال في خُطبته: أيُّها الناس! إنَّكم صُمتم لله ثلاثين يومًا، وقُمْتُم ثلاثين لَيلَةً، وخَرَجْتُم اليومَ تطلبون من الله أن يتقبَّل (٥) منكم. كان بعضُ السَّلف يَظْهَرُ عليه الحزنُ يومَ عيدِ الفِطْر، فيقال له: إنَّه يومُ فَرَحٍ وسرورٍ، فيقول: صدقتم، ولكنِّي عبدٌ أمرني مولاي أن أعمَلَ له عملًا، فلا أدري أيقبلُه منِّي أم لا؟

رأى وُهَيْبُ (٦) بنُ الورد قومًا يضحكون في يوم عيدٍ، فقال: إن كان هؤلاء تُقُبِّلَ منهم صيامُهم فما هذا فعلُ الشاكرين، وإن كانوا لمَ يُتَقَبَّلْ منهم صيامهم فما هذا فعلُ الخائفين. وعن الحسن، قال: إنَّ الله جَعَلَ شَهْرَ رمضانَ مضمارًا (٧) لخلقه يستبِقُون فيه بطاعتِه إلى مَرْضَاتِه، فَسَبَقَ قَوْمٌ ففازوا، وتخلَّف آخرون فخابُوا. فالعجَب من اللاعِب الضَّاحِك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطِلُون.


(١) في ع: "مالك بن دينار". وكنيته أبو يحيى، زاهد، عابد، صدوق، معدود في ثقات التابعين، ومن أعيان كتبة المصاحف. مات نحو سنة ١٣٠ هـ. (سير أعلام النبلاء ٥/ ٣٦٢).
(٢) في ط، ش، ع: "السلمي". وهو أبو عبد الله بن أبي عبيدة البصري، من صغار التابعين، أدرك أنس بن مالك وسمع من الحسن البصري. كان زاهدا عابدًا، وله حكايات في الخوف وإزرائه على نفسه. قيل: مات بعد سنة ١٤٠ هـ. (صفة الصفوة ٣/ ٣٢٥، سير أعلام النبلاء ٦/ ٨٦).
(٣) شيخ الحرم، وأحد الأئمة العبّاد، صدوق، رمي بالإرجاء، توفي سنة ١٥٩ هـ. (سير أعلام النبلاء ٧/ ١٨٤).
(٤) في آ: "تُقُبِّلَ أم لا"، وفي ع: "أتقبل أَم لا".
(٥) في آ، ش: "يتقبَّله منكم".
(٦) في ط: "وهب". وهو وُهيْب بن الورد القرشي، أبو عثمان المكي الزاهد، وثقه ابن معين والنسائي، روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. قال ابن حبان: مات سنة ١٥٣ هـ.
(٧) لفظ "مضمارًا" لم يرد في آ، ش، ع.

<<  <   >  >>