للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومَن نقص من العمل الذي عليه نُقِّصَ من الأجر بحسب نَقْصِه، فلا يَلُم إلَّا نفسَه. قال سلمان: الصَّلاةُ مِكْيالٌ، فمن وفَّى وُفِّي له، ومن طَفَّفَ فَقَد علمتُم ما قيل في المطفِّفين (١). فالصِّيامُ وسائرُ الأعمال على هذا المنوالِ؛ مَن وفَّاها فهو من خِيارِ عِبادِ الله الموفِّين (٢)، ومَنْ طفَّفَ فيها فويلٌ للمطفِّفين. أَمَا يستحيي مَن يستَوْفي مِكْيالَ شَهَواتِهِ، ويطفِّفُ في مِكْيالِ صيامِهِ وصلاتِه، أَلا بُعْدًا لِمْديَن (٣). في الحديث: "أسوأُ الناسِ سرقة الذي يَسْرِقُ صلاتَه" (٤). إذا كان الوَيْلُ لمن طَفَّفَ مِكيالَ الدُّنيا، فكيف حالُ مَن طفَّف مِكيالَ الدِّين! {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} (٥).

غدًا تُوفَّى النفوسُ ما كسَبَتْ … ويحصُدُ الزَّارِعونَ ما زَرَعوا

انْ أحسَنُوا أحسَنُوا لأنفُسِهم … وإن أساؤوا فبئسَ ما صَنَعُوا

كان السَّلفُ الصَّالح يجتهدون في إتمام العمَلِ وإكماله وإتقانه، ثم يهتمُّون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من رَدِّه، وهؤلاء الذين {يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} (٦). رُوي عن علي رضي الله عنه، قال: كونوا لقَبُولِ العَمَلِ أشدَّ اهتمامًا منكم بالعمل، ألم تسمَعُوا الله عزَّ وجلَّ يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (٧). وعن فَضَالَةَ بن عُبيد (٨)، قال: لأنْ أكونَ أعلَمُ أنَّ الله قد تقبَّلَ منِّي مِثْقالَ حَبَّةٍ مِن خَرْدَل أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها؛ لأنَّ الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.


(١) أي: في قوله تعالى من سورة المطففين: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ}.
(٢) في ش: "المؤمنين"، ولم ترد لفظة "الموفين" في نسخة (آ).
(٣) في ش: "للمذنبين". والبعد: الهلاك، والتباعد من الخير. أي لا زالوا مبعدين عن رحمة الله كما بعدت مدين التي أهلكها الله.
(٤) رواه أحمد في "المسند" ٥/ ٣١٠ عن أبي قتادة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أسوأ الناس سرقة الذي يسرق في صلاته. قالوا: يا رسول الله! وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها". صححه الحاكم ١/ ٢٢٩ ووافقه الذهبي، ورواه الطبراني عن أبي هريرة. وفي الموطأ ١/ ١٦٧ عن النعمان بن مُرَّة، بنحوه. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٢/ ١٢٠ وقال: "رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح".
(٥) سورة الماعون الآية ٤ و ٥.
(٦) سورة المؤمنون الآية ٦٠.
(٧) سورة المائدة الآية ٢٧.
(٨) هو فَضَالة بن عُبَيد بن نافذ بن قيس، أبو محمد الأنصاري الأوسي، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من أهل بيعة الرضوان. ولي الغزو لمعاوية، ثم ولي له قضاء دمشق. مات سنة ٥٨ هـ، وقيل قبلها. (ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء ٣/ ١١٣ - ١١٧ وأورد الخبر).

<<  <   >  >>