للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أفطر (١) رمضان أن لا يعصي الله، دخل الجنة بغير مسألةٍ ولا حسابٍ. ومَن صَامَ رمضانَ وهو يحدِّثُ نفسَه أنه إذا أفطر عصَى ربَّه، فصيامُه عليه مردود.

ومنها: أن الأعمال التي كان العبْدُ يتقرب بها إلى رَبِّه في شهر رمضانَ لا تنقطِعُ بانقضاء رمضانَ، بل هي باقية بعدَ انقضائه ما دام العبدُ حَبًّا. وهذا معنى الحديث المتقدِّم أنَّ الصائم بعد رمضان كالكارِّ بعد الفارِّ، يعني كالذي يفِرُّ مِن القتال في سبيل الله ثم يعودُ إليه. وذلك لأن كثيرًا مِن الناس يفرَحُ بانقضاء شهر رمضانَ؛ لاستثقال الصَّيام ومَلَلِهِ وطوله عليه. ومَن كان كذلك فلا يكادُ يعودُ إلى الصِّيام سريعًا، فالعائدُ إلى الصِّيام بعد فطره يومَ الفِطْر يدُلُّ عودُه على رغْبَته في الصيام وأنَّه لم يملَّهُ ولم يستثقِلْه ولا تكَرَّه به.

وفي حديثٍ خرَّجه الترمذي (٢) مرفوعًا: "أحبُّ الأعمال إلى الله الحالُّ المرتَحِلُ". وفُسِّرَ بصاحب القرآن يضربُ من أوَّله إلى آخره، ومن آخِره إلى أوَّله، كلَّما حَلَّ ارتحَلَ (٣). والعائد إلى الصِّيام سريعًا بعد فراغ صيامِه، شبيةٌ بقارئ القرآن إذا فرغ من قراءته ثم عادَ إليه، في المعنى، والله أعلم.

قيل لِبِشْرٍ: إنَّ قومًا يتعبَّدون ويجتهِدون في رمضان. فقال: بئسَ القوم قومٌ لا يعرِفون لله حقًّا إلَّا في شهر رمضانَ، إن الصَّالح الذي يتعبَّد ويجتهِدُ السَّنةَ كلَّها. وسئل الشِّبْلِي: أيّما أفضَلُ، رَجَبٌ أو شعبانُ؟ فقال: كن رَبَّانيًا ولا تكن شعبانيًا. ثم أنشَدَ (٤):


(١) في ط: "إذا أفطر من رمضان لم يعص".
(٢) رقم (٢٩٢٧) في ثواب القرآن، والدارمي ٢/ ٤٤١، وإسناده ضعيف. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ولعله حسنه ببعض الشواهد. ونصه عند الترمذي: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رجل: "يا رسول الله! أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال: الحالُ المرتحِلُ. قال: وما الحل المرتحِلُ؟ قال: الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره، كلَّما حَلَّ ارتحَلَ".
(٣) في هامش ع ما نصه: "وقال الشيخ محيي الدين النووي في كتابه "آداب حملة القرآن": يستحب إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقيب الختمة، فقد استحبه السلف، واحتجوا فيه بحديث أنس رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: خير الأعمال الحل والرحلة، قيل: وما هما؟ قال: افتتاح القرآن وختمه".
(٤) لم يرد هذا الإِنشاد في ط.

<<  <   >  >>