للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الأعمال الثلاثة ترجِعُ في الحقيقة إلى عملين:

أحدهما: الإيمانُ بالله ورسوله، وهو التَّصديقُ الجازم بالله وملائكته وكتبِه ورسلِه واليومِ الآخر، كما فسَّر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الإيمانَ بذلك في حديث (١) سؤالِ جبريلَ له، وفي غيره من الأحاديث. وقد ذكر الله تعالى الإِيمانَ بهذه الأصول في مواضِعَ كثيرةٍ من كتابه؛ كأوَّلِ البقرة، ووسطِها، وآخِرِها.

والعَمَلُ الثاني: الجهادُ في سبيل الله تعالى. وقد جمع الله بين هذين الأصلين في مواضِعَ من كتابه، كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} (٢). الآية، وفي قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (٣).

وقد صَحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجهٍ أنَّ أفضَلَ الأعمال الِإيمانُ بالله والجهادُ في سبيل الله؛ فالإِيمانُ المجرَّدُ تدخُلُ فيه أعمال الجوارح عند السَّلف وأهلِ الحديث، والإيمانُ المقرون بالعمل يُرادُ به التصديقُ مع القول، وخُصوصًا إن قُرِنَ الإِيمانُ بالله بالإِيمان برسُوله، كما في هذا الحديث. فالإيمانُ القائمُ بالقلوب أصلُ كُلِّ خَيْرٍ، وهو خيرُ ما أوتيهُ العَبْدُ في الدنيا والآخرة (٤)؛ وبه يحصل له سعادةُ الدُّنيا والآخرة، والنَّجاةُ من شقاوةِ الدُّنيا والآخرة. ومَتَى رسخَ الإِيمانُ في القَلْب انبعثَتِ الجوارِحُ كُلُّها بالأعمال الصالحة، واللسانُ بالكلم (٥) الطيب. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلُحَتْ صَلُحَ الجسَدُ كُلُّه، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجسَدُ كُلُّه، أَلَا وهِيَ القلْبُ" (٦). ولا صلاحَ للقلب بدون الإيمان بالله، وما يدخُلُ في مسمَّاهُ مِن معرفةِ


(١) أخرجه الشيخان، وانظر رواياته وتخريجه في "جامع الأصول" ١/ ٢١٣ - ٢١٦.
(٢) سورة الصف الآية ١٠ و ١١.
(٣) سورة الحجرات الآية ١٥.
(٤) لفظ "والآخرة" لم يرد في ب، ش.
(٥) في ط: "بالكلام".
(٦) أخرجه البخاري رقم (٥٢) في الإيمان: باب فضل من استبرأ لدينه، وفي البيوع: باب الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات؛ ومسلم رقم (١٥٩٩) في المساقاة: باب أخذ الحلال وترك الشبهات؛ وابن ماجه رقم (٣٩٨٤) في الفتن: باب الوقوف عند الشبهات. كما رواه الإِمام أحمد في "مسنده" ٤/ ٢٧٠ و ٢٧٤ عن النعمان بن بشير.

<<  <   >  >>