للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللهِ وتوحيدِه، وخشيتِه، ومحبَّتِه، ورجائه، [وإِجابته] (١) والإِنابةِ إِليه، والتوكُّلِ عليه. قال الحسن: ليس الإِيمانُ بالتمنِّي، ولا بالتحلَّي، ولكنَّه بما وقر في الصدور (٢)، وصدقته الأعمالُ. ويشهَدُ لذلك قولُه تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (٣). وفي هذا يقولُ بعضُهم:

ما كُلُّ مَن زَوَّقَ لي قَوْلَه … يَغُرُّني يا صَاحِ تزويقُهُ

مَنْ حَقَّقَ الإِيمانَ في قلبِهِ … لا بُدَّ أن يظهَرَ تحقيقُهُ

فإِذا ذاق العَبْدُ حلاوَةَ الإِيمان، ووجَدَ طعمَهُ وحلاوَتَه، ظهَرَ ثمرَةُ ذلك على لسانِهِ وجوارِحِه، فاسْتَحْلَى اللسانُ ذِكْرَ الله وما والاه، وأسرَعَتِ الجَوَارِحُ إِلى طاعةِ الله، فحينئذ يدخُلُ حُبُّ الإِيمانِ في القلب، كما يدخُلُ حُبُّ الماءِ البارد الشَّديدِ بَرْدُهُ في اليوم الشَّديدِ حَرُّه للظمآنِ الشديدِ عطشُه، ويصيرُ الخروجُ من الإِيمان أكرَهُ إِلى القلوب من الإِلقاءِ في النار، وأَمَرَّ عليها من الصَّبْر. ذكر ابنُ المبارك عن أبي الدَّرداء رضي الله عنه أنَّه دخَلَ المدينَةَ، فقال لهم: ما لي لا أرى عليكم يا أهلَ المدينة حلاوَةَ الإِيمان؟ والذي نفسِي بيدِهِ، لو أنَّ دُبَّ الغَابةِ وجَدَ طعمَ الإِيمان لَرؤي عليه حلاوةُ الإِيمان.

لو ذَاقَ طَعْمَ الإِيمانِ رَضْوَى (٤) … لكادَ مِن وَجْدِهِ يَميدُ

قَدْ حَمَّلُوني (٥) تكلِيفَ عَهْدٍ … يعجِزُ عن حَمْلِهِ الحَديدُ

فالإِيمان بالله ورسوله وظيفةُ القلب واللسان، ثم يتبعهما (٦) عملُ الجوارح، وأفضلُها الجهادُ في سبيل الله، وهو نوعان: أفضلُهما جهادُ المؤمن لعدوِّه الكافر، وقتالُه في سبيل الله؛ فإِنَّ فيه دعوةً له إِلى الإِيمان بالله ورسوله، ليدخُلَ في الإِيمان.


(١) زيادة في (ط).
(٢) في آ، ش: "الصدر".
(٣) سورة الأنفال الآية ٣ و ٤.
(٤) رَضْوى: جبل بالمدينة.
(٥) في ب: "قد كلفوني".
(٦) في آ، ش: "يتبعها".

<<  <   >  >>