للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (١). قال أبو هريرة رضي الله عنه في هذه الآية: يجيئون بهم في السَّلاسل حتَّى يدخلونهم (٢) الجنَّة. وفي الحديث المرفوع: "عَجِبَ رَبُّكَ من قومٍ يُقَادُون إِلى الجنَّة بالسَّلاسل" (٣).

فالجهادُ في سبيل الله دعاءُ الخَلْق إِلى الإِيمان بالله ورسُولهِ بالسَّيف واللسان، بعدَ دُعائهم إِليه بالحجَّةِ والبرهان. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في أوَّل الأمر لا يقاتل قومًا حتى يدعوهم. فالجهادُ به تعلو كلمةُ الإِيمان، وتتسعُ رُقْعَةُ الإِسلام، ويكثُرُ الداخلون فيه. وهو وظيفةُ الرُّسُلِ وأتباعِهم، وبه تصير كلمةُ اللهِ هي العليا. والمقصودُ منه أن يكون الدِّين كُلُّه لله، والطاعةُ له، كما قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه} (٤). والمجاهد في سبيل الله هو المقاتِلُ لتكونَ كلمةُ الله هي العليا خاصَّةً.

والنوع الثاني من الجهاد: جهادُ النفس في طاعة الله، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المجاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَه في الله" (٥). وقال بعضُ الصحابة لمن سألَهُ عن الغزو: ابْدَأْ بنفسِكَ فاغْزُها، وابْدأ بنفسِكَ فجاهِدها. وأعظَمُ مجاهدَةِ النفسِ على طاعة الله عِمَارةُ بيوتِه بالذِّكر والطاعةِ، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} (٦). وفي حديث أبي سعيدٍ


(١) سورة آل عمران الآية ١١٠.
(٢) في ب: "يدخلوهم". وفي تفسير ابن كثير ١/ ٣٩١ عن أبي هريرة: "خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإِسلام". وهي رواية للبخاري رقم (٤٥٥٧) في التفسير: باب {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}. وفي رواية للبخاري رقم (٣٠١٠) في الجهاد: "عجِبَ اللهُ من قوم يدخلون الجنة في السلاسل".
(٣) أخرجه البخاري رقم (٣٠١٠) في الجهاد: باب الأَسارى في السلاسل، ولفظه كما سبق، ورقم (٤٥٥٧) في التفسير، وأبو داود رقم (٢٦٧٧) في الجهاد: باب الأسير يوثق. ورواه أحمد في "مسنده" ٢/ ٣٠٢، ٤٤٨.
(٤) سورة الأنفال الآية ٣٩.
(٥) من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه، رواه الترمذي رقم (١٦٢١) في فضائل الجهاد: باب ما جاء في فضل من مات مرابطًا. وقال الترمذي: وحديث فضالة حديث حسن صحيح. ورواه الإِمام أحمد في "مسنده" ٦/ ٢١، ٢٢ وإِسناده حسن.
(٦) سورة التوبة الآية ١٨.

<<  <   >  >>