للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذكر الله تعالى هذا البيتَ في كتابه بأعظَمِ ذِكْرٍ وأفخَمِ تعظيمٍ وثناءٍ، قال الله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (١)، الآيات. وقال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (٢). وقال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (٣).

فعِمارَةُ سائر المساجِدِ سِوَى المسجدِ الحَرَام وقصدُها للصَّلاة فيها، وأنواعُ العِبادات من الرِّباط في سبيل الله تعالى، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في إِسباغ الوضوء على المكارِهِ، وكثرة الخُطَا إِلى المساجِدِ، وانتظارِ الصَّلاة بعدَ الصَّلاة؛ فذلكم الرِّباط، فذلكم الرِّباط، فذلكم الرِّباط (٤). فأمَّا المسجدُ الحرامُ بخُصُوصِه فقصدُه لزيارتِهِ وعمارتِهِ بالطَّوافِ الذي خَصَّه الله به من نوع الجهاد في سبيل الله عزَّ وجلَّ.

وفي "صحيح البخاري" (٥) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: يا رسولَ الله، نَرَى الجهادَ أفضلَ العَمَلِ، أفلا نجاهِدُ؟ قال: "لَكُنْ أَفْضلُ الجِهادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ"، يعني أفضَلَ جهادِ النساء. ورواه بعضُهم: لكُنْ أفضَلُ الجهادِ حَجٌّ مبرورٌ؛ فيكون صريحًا في هذا المعنى. وقد خرَّجه البخاري بلفظٍ آخَرَ، وهو: "جِهادُكُنَّ الحَجُّ"؛ وهو كذلك. وفي المسند (٦) وسنن ابن ماجه عن أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "الحجُّ


(١) سورة البقرة الآية ١٢٥.
(٢) سورة آل عمران الآية ٩٦ و ٩٧.
(٣) سورة الحج الآية ٢٦ و ٢٧.
(٤) رواه مسلم رقم (٢٥١) في الطهارة: باب فضل إِسباغ الوضوء على المكاره، والموطأ ١/ ١٦١، والترمذي رقم (٥١)، والنسائي ١/ ٨٩ و ٩٠. كما رواه الإِمام أحمد في "المسند" ٢/ ٢٧٧، ٣٠٣. وقد مضى تخريجه.
(٥) رقم (١٥٢٠) في الحج: باب فضل الحج المبرور، وباب حج النساء، وفي الجهاد: باب فضل الجهاد، وباب جهاد النساء. وحج مبرور: متقبَّل، مثاب عليه بالجنَّة.
(٦) رواه أحمد في "المسند" ٦/ ٢٩٤ و ٣٠٣ و ٣١٤، وابن ماجه رقم (٢٩٠٢) في المناسك: باب الحج جهاد النساء، والترغيب ٢/ ١٦٤، وأورده الألباني في "صحيح ابن ماجه" ٢/ ١٥١ رقم (٢٣٤٦) و"صحيح الجامع الصغير" ١/ ٦٠٦ رقم (٣١٧١).

<<  <   >  >>