للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (١). والحاجّ يحتاجُ إِلى مخالطة الناس، والمؤمنُ الذي يخالِط الناسَ ويصبِرُ على أذاهم أفضَلُ ممن لا يخالِطُهم ولا يصبِرُ على أذاهم.

قال ربيعة: المروءة في السَّفَر بَذْلُ الزَّادِ، وقلَّةُ الخِلاف على الأصحاب، وكثرةُ المزاح في غير مساخط اللهِ عزَّ وجلَّ.

وجاء رجلان إِلى ابن عونٍ يودِّعانه، ويسألانه أن يوصِيهما، فقال لهما: عليكما بكظْم الغَيْظ، وبَذْلِ الزَّاد. فرأى أحدُهما في المنام أنَّ ابنَ عون أهدَى إِليهما حُلَّتين.

والإِحسانُ إِلى الرفقة في السفر أفضَلُ من العِبادة القاصِرة، لا سيَّما إِن احتاجَ العابِدُ إِلى خدمة إِخوانه. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم -في سفرٍ في حَرٍّ شديدٍ، ومعَهُ مَن هو صائمٌ ومفطِرٌ، فسقَطَ الصُّوَّامُ وقامَ المفطِرون فضرَبوا الأبنيةَ، وسَقَوا الرِّكَابَ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ذهَبَ المفطِرون اليومَ بالأجر" (٢).

ورُوِي أنَّه - صلى الله عليه وسلم -كان في سَفَرٍ، فرأَى رجلًا صائمًا، فقال له: ما حملَكَ على الصَّوْم في السفر؟ فقال: معي ابنايَ يرحلان بي ويخدُماني، فقال له: ما زال لهما الفَضْلُ عليك.

وفي مراسيل أبي داودَ (٣) عن أبي قلابة رضي الله عنه، قال: قدِمَ ناسٌ مِن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سَفَرٍ يُثْنُونَ على صاحِبٍ لهم، قالوا: ما رأَينا مِثْلَ فلانٍ قَطُّ؛ ما كانَ في مَسيرٍ إِلَّا كان في قراءةٍ، ولا نزلنا منزلًا إِلَّا كان في صلاةٍ. قال: "فمن كان يكفيه ضَيْعَتَه (٤) "؟ حتى ذَكَر "ومَن كانَ يعلِفُ دَابَّته"، قالوا: نحنُ. قال: "فكُلُّكُمْ


(١) سورة آل عمران الآية ١٣٤.
(٢) أخرجه البخاري رقم (٢٨٩٠) في الجهاد: باب فضل الخدمة في الغزو، ومسلم رقم (١١١٩) في الصيام: باب أجر المفطر في السفر إِذا تولى العمل، والنسائي ٤/ ١٨٢ في الصوم: باب فضل الإِفطار في السفر على الصيام، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(٣) المراسيل لأبي داود ص ٢٣٤ ورجاله ثقات، ورواه سعيد بن منصور في "سننه" رقم (٢٩١٩) من طريق سفيان، عن أيوب، به. وانظر "تحفة الأشراف" رقم (١٨٩٠٤).
(٤) في مصادر الحديث "صنعته". وضَيْعَة الرجل: حِرفتُه وصناعته ومعاشه وكسبه.

<<  <   >  >>